الثورة أون لاين – هنادي الحوري:
أثرت جائحة كورونا تأثيراً كبيراً ومباشراً على قطاعي الثقافة والفن إذ يواجه الفنان التشكيلي العديد من التحديات لإنجاز عمله الفني ولوحته التشكيلية والتي ارتفعت تكلفة صناعتها بسبب ارتفاع أسعار المواد والخامات اللازمة بدءاً من الريشة وقلم الرصاص والألوان والقماش والخشب.. وانتهاءً بتسويق هذا المنتوج الفني والإبداعي.
وللوقوف حول هذا الموضوع كان لصحيفة الثورة حوار مع عدد من الفنانين التشكيليين عن أبرز الصعوبات التي تواجههم في ظل هذه الظروف الاقتصادية الحالية.
التشكيلي حمود الحسين تحدث بداية عن أبرز ما يواجهه من صعوبات في إنتاج لوحته الفنية قائلاً:
الصعوبات كثيرة وأهمها عدم الاستقرار النفسي وحالة القلق الدائم من القادم فالإبداع يحتاج للاستقرار النفسي والمادي والعاطفي.
عدم القدرة على تأمين مستلزمات العمل الفني الباهضة الثمن قياساً بالدخل المادي لكل منا.
وتابع الحسين بأن اللوحة لم تعد أولوية لدى الفنان بل أصبحت هامشاً في ظل الظروف الاقتصادية، حيث تعاني اللوحة من ضعف الاقتناء في ضل تراجع القدرة الشرائية لدى الناس.
وختم الحسين قائلاً إنه بالرغم قساوة الظروف الحالية ورغم كل هذا السواد الذي يخيم على حياتنا اليوم لا يزال الفن المتنفس الأساسي لنا كفنانين وما زالت اللوحة هي مساحة الأمل وفضاء الهروب من الواقع وزخم الحياة، وما زال للفن عشاقه ورواده ومتذوقيه، وما زالت الأعمال الفنية تطرز جدران صالات العرض والتي تعج بالزائرين وكأن الفن أضحى الجانب الوحيد الذي يزرع الفرح والأمل ويبدد الظلام الساكن في نفوس الناس.
فالعمل الفني حالة إنسانية يستمد قيمته من وقع الأثر في نفس المتلقي وليس بما يعود فيه من نفع مادي على الفنان.
وقالت الفنانة التشكيلية نجوى الشريف إن الصعوبات التي نواجهها مثل كل شيء بحياتنا ارتفاع أسعار الألوان وإطارت شد اللوحة بالإضافة لصرف المتلقين اهتماماتهم على الأشياء الضرورية حيث أثر ذلك على الاقتناء لأن الفن يعتبر كمالياً وخلو المعارض من المهتمين بسبب جائحة كورونا وأصبحت تكلفة إقامة المعارض باهظة رغم أن إقامتها مجانية بمراكز الثقافة التي يحضرها المتذوقون فقط وأعدادهم قليلة جداً نسبياً
فمشكلات اللوحة حالياً تعود لنفس أسباب تقلص إنتاجها الكمي فالفنان أصبح يختصر ويعتمد على المعارض الالكترونية ومعاناة الفنان أن يجد للوحة جمهوراً وطلباً عليها ما يجعل بعضهم يذهب للوحة التجارية وأنا لا أحبذه فالفن قبل كل شيء إحساس ذاتي من الفنان يجب ألا يخضع لثقافة السوق والعرض والطلب.
وعن قيمة الفن في الوقت الحالي تابعت الشريف: لا تتوقف باعتباره شريان الحياة و تعبيراً عن معاناة الإنسان بحياته وتترجم أحاسيسه المعاشة ومشاعره تخطها أنامل الفنان ولكل فنان أسلوبه بالتعبير ولا بد من بث التفاؤل لمجتمع متهالك مر عليه ما مر من أصناف الأوجاع والمصائب فالفنان يعيد صياغة الواقع لبث الأمل والتفاؤل ولاحتوائه للأزمات وتسليط الضوء على مكامن الخطر لإصلاح تهتك الجسد وتجميل الواقع وتنوير الفكر وفتح منافذ للروح والبوح وتعبيراً عن قيمة وجود الفرد بالمجتمع ودوره والفنان مطالب أكثر من غيره ببث الإيجابية والجمال والأمل ليقي المجتمع من الانحدار للأسوأ ولبناء ثقافة جيل جديد قائم على الإبداع وإيجاد الحلول وملأ الوقت بهوايات نافعة توجهه نحو الخلق والابتكار.
الفنان التشكيلي أنور باكير قال بحرقة: عن ماذا وماذا سأتحدث
على المحسوبية أو رسم لوحة رش ألوان فقط أو تجميعها في مكان ما بالمنزل لا نحتاجه وأغلب الأحيان في سقيفة المنزل.. اللوحة اليوم لم تعد لها قيمة وأصبح اسم الفنان هو اللوحة برأيي فقيمة الفن اليوم كقيمته باليوم السابق لا يكترث أحد له فصالات العرض ممتلئة باللوحات والسعر باهظ الثمن والزائرون يقفون متأملين اللوحة فقط دون التفكير باقتنائها نظراً لارتفاع سعرها وازدياد أعباء الحياة المعيشية.
وقال الفنان التشكيلي رامي محمد أبوردن:
في الحقيقة نحن كفنانين نواجه صعوبات اقتصادية كبيرة في ظل هذا الحصار الاقتصادي، ما أدى إلى عدم قدرة كثير من الفنانين على إقامة أي معرض وهذا بسبب غلاء الأدوات وأحياناً عدم توافرها.
وأيضاً هناك سبب رئيسي مهم وهو أن المتلقي لم يعد لديه القدرة على اقتناء أي عمل بسبب اهتمامه بأولويات حياته.
وحالياً لا يوجد تسويق حقيقي لأعمال الفنانين إن كان هذا داخل البلاد أو خارجها، وإن كان فهناك تكاليف تترتب على الفنان لا يستطيع دفعها إلا إذا دُفع ثمن أعماله.
وفي هذه الحالة تموت رغبة الفنان بإقامة أي عمل، وخاصة إذا كان الفنان مصدر رزقه هو الفن.
وأضاف رامي: ومن مشكلات اللوحة التشكيلية حالياً أنها أصبحت مصدر رزق للفنان وبالتالي تكون لوحة تجارية بحتة، وهذا يؤدي إلى فقدان قيمتها الفنية.
وعن رأيه بالفن قال أبوردن: الفن له قيمة في كل وقت وكل مكان، والفن التشكيلي إحساس يلامس أي إنسان من خلال ألوان اللوحات وتعابيرها، لأن اللوحة تحاكي ما يعيشه الإنسان، والفن في بلادنا لا يفقد قيمته فلدينا فنانون مبدعون لا يتوقفون عن عطائهم ولكن يتراجع قليلاً بسبب الظروف القاسية التي نعيشها.
فتحية عظيمة لكل فناني سورية.
الفنانة التشكيلية فايزة الحلبي وجدت بأن الصعوبات التي يواجهها الفنان في ظل الظروف الحالية هو ارتفاع أسعار المواد اللازمة للرسم وكساد بيع اللوحة لعدم وجود سوق حقيقي لعرضها وغياب الحافز التشجيعي في ظل الظروف المعيشية المتردية وقطع الكهرباء بشكل مستمر وعدم السفر لتقديم المنتوجات واللوحات الفنية في المعارض العالمية المشتركة وذلك بسبب الكورونا والغلاء الذي رافقها.. فمشكلة اللوحة التشكيلية عدم الاقتناء.
وأضافت الحلبي أنه لم يعد قيمة للفن حالياً بسبب تردي الحالة المادية وعدم إقامة معارض على مستوى عالمي بشكل دوري أو حتى سنوي.
وقال الفنان علي جروان:
طبعاً هناك الكثير من الصعوبات التي يواجهها الفنان التشكيلي خصوصاً ولأنها تعتبر من الأعمال الفردية أي أن الفنان عليه أن يؤمن أدواته بنفسه مثل (الألوان والشاسيهات وغيرها من الأدوات التي تصنع اللوحة) وخصوصاً وفي ظل الوضع الراهن وبلدنا سورية تمر بحصار اقتصادي خانق وجميع أدوات الرسم لم تصبح مثل ذي قبل في متناول يد الفنان بسبب الغلاء الفاحش لكل أدواته وأحياناً عدم توفرها بيسر، ومن المعروف بأن الأغلبية العظمى من الفنانيين من ذوي الدخل المحدود حيث لا يوجد مؤسسة ترعى الفن والفنانين من الناحية المادية والمعنوية ومن هنا يصعب على الفنان أن ينتج عمله الفني بالوقت المطلوب.
وباعتقادي لا توجد مشكلة في اللوحة الفنية إلا أن أغلبية الفنانين في هذه المرحلة أصبحوا يتجهون إلى اللوحة التجارية والبعيدة كل البعد عن الموضوع
مضيفاً: طبعاً وبرأيي الشخصي قيمة الفن ما زالت وستبقى موجودة طالما الفنان يرسم لوحته ويقدم من خلالها رسالة إنسانية أو أخلاقية أو سياسية
ومن المعروف أن اللوحة التشكيلية إن لم تقدم رسالة فتكون خالية المضمون.
وبصراحة ومن خلال معارضنا الفنية التي أقمناها في هذه الفترة شاهدت إقبالاً كبيراً من الزوار والمهتمين بالفن وهذا يدل على أنه ما زال شعباً حياً وذواقاً للفن.
وفي ختام هذا الحوار أقول إننا ما زلنا وسنبقى نحاول تقديم اللوحة وخصوصاً أننا نؤمن بأنها رسالة أخلاقية وإنسانية مصدر للجمال.
الفنانة أمل جدوع تحدثت عن وجع كل الفنانين وهو عدم وجود أي دعم أو تشجيع للفن أو للفنانين سواء دعم مادي أو معنوي.. كما لا يوجد تسويق للوحة الفنية.. بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد والأدوات… وتأمل جدوع في المرحلة المقبلة أن يتم تشجيع الفنانين وتسويق أعمالهم بالشكل الصحيح وإقامة المعارض التي تتيح لهم عرض إبداعاتهم وأعمالهم ومحاولة تأمين المواد الأولية لهم بشكل مجاني أو بأسعار رمزية وبحسب رأيها ما زال للفن قيمة والدليل أنه بالرغم كل الظروف ما زال الفنانون يرسمون ويحاولون تقديم أعمالهم ولوحاتهم بشتى الطرق سواء على مستوى شخصي من خلال صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي أم بالمعارض التي تقيمها وزارة الثقافة ولو كانت تقام بشكل محدود وخجول.
التشكيلية سوسن بواب وجدت أن هناك مشكلات كثيرة يعانيها الفنان في هذه الفترةالصعبة منها غلاء أسعار الألوان والمواد فهي ارتفعت لأضعاف ما كانت و أيضاً ندرة البيع ما يجعل اللوحات تتكدس وتكون عبئاً على البعض بالذات ممن ليس لديهم مرسماً مخصصاً أو مكاناً يضعون فيه لوحاتهم به بالنسبة لي لا أعاني حيث عندي مرسمي يحتضن لوحاتي التي أحبها و وجودها يشعرني بالسعادة.
ولا ننسى نقطة مهمة أيضاً هي صعوبة السفر أو التسويق للخارج في الظرف الحالي بما تعانيه كل الدول من جائحة كورونا فهناك من يعتمد في لوحاته على البيع في الخارج ومع ذلك الحركة التشكيلية لا تزال نشطة مع عدم وجود مرتادين أو مهتمين بالمعارض حيث نلاحظ في كل معرض نفس الزوار وغالباً يكونوا أصدقاء الفنان و زملائه الفنانين وعائلته فقط.
وللأسف الفنان يحاول جهده نشر فنه وعمله و لا يجد تقديراً فالفن فقد قيمته بوجود المحسوبيات والشللية السائدة في الوسط.
رغم كلّ الصعوبات التي أجمع عليها الفنانون إلا أنها لم تستطع إلغاء عشقهم لفنهم وتقديم كل ما هو جديد تجود به أناملهم التي لم تعرف اليأس والاستسلام ليستمر عطاؤهم وإبداعهم فالفن هو مرٱة المجتمع يعكس ما يدور فيه حسب رؤية الفنان والذي يحمل بدوره رسالة إنسانية عظيمة تتجلى بزرع الأمل والراحة في نفوس الناس.