” أن تصل متأخراً، خير من ألا تأتي” فعندما تصدر وزارة التربية قراراً يقضي بتداول اللغة العربية الفصيحة أثناء العملية التدريسية وحث الطلاب على التحدث بها، فهي خطوة هامة تؤكد على نهج صحيح في تمكين الطلاب للغتهم الأم وتعزيز صلتهم بتاريخهم وهويتهم وحضارتهم، وبث نبض الحياة في العربية التي بدأت تتآكل على ألسنتهم بفعل تسلل العولمة إلى تفاصيل حياتهم اليومية.
وربما ليس من السهولة أن ننتقل من الإغراق في العامية إلى تداول اللغة الفصيحة بين عشية وضحاها، فهذا بلا شك يحتاج أساليب شائقة تنمي تلك الذائقة لدى الطفل ليعيد تواصله مع لغته، ولكن الخطوات تأتي تباعاً عندما نحول القراءة إلى سلوك يومي، وتخصيص بعض الأنشطة اللاصيفية إلى وقت يقضيه الطالب في المباريات الثقافية والحوارات وعرض بعض أفلام الرسوم المتحركة الهادفة والناطقة بالعربية الفصيحة، وتوجيهه إلى المكتبة المدرسية لتداول بعض القصص التي تثري لغته بمفردات جديدة وتصقل لسانه وترتقي بثقافته ومعارفه.
ولايخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذل من أجل الحفاظ على لغتنا الأم، وقد خصصت لجان تمكين من أجلها، وصدرت العديد من القرارات كرمى لها، ولكن لانجد تلك الأصداء مترجمة عملاً وواقعاً ملموساً، فالأبناء ليسوا في غالبيتهم أوفياء لها، وعليه فإن هكذا قرار قد يحرك بعض المياه الراكدة، عندما يؤخذ بعين الجد والاهتمام والمتابعة دون كلل أو ملل.
جميعنا يدرك أن اللغة تنبض بوفاء أبنائها وحرصهم عليها وحمايتهم لها، وفي واحد من قراراتها بينت اليونيسكو” أن أفضل الدول الرائدة عالمياً.. هي التي تدرس بلغاتها الأم” ولكن لايكفي أن تكون اللغة العربية لغة المدرسة والتعليم ولغة التداولات التجارية وحسب، بل لابد أن تجري هذه اللغة على لسان أبنائها والإحساس بأهميتها والاعتزاز بها كواحدة من عوامل تعزيز الهوية الوطنية والانتماء.
وإن كانت رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، فالخطوات لابد أن تتابع، والمهمة بالقدر التي هي شائكة، ولكنها لابد أن تثمر جيلاً يؤمن بعروبته وهويته وانتمائه للغته الأم، لغة الحضارة والعراقة دون منازع.
رؤية- فاتن أحمد دعبول