الثورة أون لاين – ديب علي حسن:
قبل أن يقفز أحد ما ويصرخ… هذا مشتق ملطوش أو ما في المفردات التي تدل على هذا المعنى – من كتاب للراحل ممدوح عدوان.. علي أن أقول ليس منه ولا له سبق القصب في ابتكاره فهو للراحل الكبير عبد السلام العجيلي، فقد استخدمه في إحدى محاضراته… وهذا ما نجده مذكوراً في كتابه حفنة ذكريات..
بمعنى آخر له قصب السبق في ابتكار المصطلح ولا يعنيني بعد إذا كان الراحل ممدوح عدوان قد استعاره جرياً على عادة الكتّاب في التثاقف النبيل وتوسيع دائرة المصطلح.
من المفارقات التي يجب الحديث عنها أن الإنسان منذ وجوده الواعي حاول تسخير الطبيعة وتدجين ما فيها من حيوانات قابلة للتدجين والأنسنة وبعد مرور زمن طويل استطاع معرفة الحيوانات القابلة لذلك.. وفرز غيرها عنها واستخدم بعد ذلك مصطلح حيوانات الغابة وشريعة الغاب.
المفارقة الآن أن ما يدعونه بالعالم الحر المتقدم المتحضر يسعى لحيونة الإنسان وجعل توحشه الغاية التي يمضي إليها.. لم يترك وسيلة من أجل الوصول إلى هذه القدرة إلا استخدمها من العنف إلى علم النفس ومشتقاته وفي هذا المجال لا بد من سكنر صاحب كتاب تكنولوجيا السلوك الإنساني وغيره من علماء تربية واجتماع أميركيين وغربيين أسسوا لهذا تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة.. والغاية الغربية هي حصاد المال وجني الأرباح مهما كانت الأدوات إلى ذلك ومن منطلق دعه يعمل دعه يمر كقاعدة أولية من قواعد التوحش الليبرالي التي أفضت في علم النفس عند جون ديوي إلى قوله: قل أي شعب داجن تريده حتى أعده لك.
بالتأكيد لم يكن الأمر بين ليلة وضحاها إنما هي معطيات العمل الطويل واستخدام كل أدوات العلم الطبية والنفسية والاجتماعية والتقنية لتكون كلاً متكاملاً وأداة من أدوات الليبرالية التي تسخر كل إنجازات العلم في مختلف ألوانه للوصول إلى حيونة الإنسان..
واليوم منذ نهايات القرن الماضي اشتقّت أو ابتكرت الليبرالية مصطلح العولمة التي تجدد أيضاً كل ساعة أدواتها الفرعية والأساسية ولكنها وحدتها بالغزو الإعلامي.. فلم يعد الإعلام اليوم خبراً ومقالاً وفكرة.
الإعلام اليوم مدافع الغزو ويذكرنا بما قاله يوماً ما نابليون رداً على سؤال في معركة ما… إذ سأله أحدهم هل سيكون النصر ل… أظن جهة دينية… فرد نابليون النصر لمن سبطانات مدافعه أطول وأقوى..
واليوم بلا شك أن الغزو الغربي بما يملكه من تقنيات غزو بمختلف الأدوات استطاع أن يخترق حتى أنفاسنا… ولكن هل هذا قدر.. وهل هو حالة دائمة وهل استطاع أن يحيون الكثير… نعم حيون الكثيرين في العالم كله.. بدءاً من مجتمعاته وحولهم إلى أرقام في أجهزة اتصالات..
ومع هذه الهجمة المتوحشة كلها وما تملكه من أدوات وما سوف تبتكره ولا يخطر على بال… مع هذا كله لا يمكن لتوحشهم الانتصار على الإنسان المتجذر بأرضه والمتمسك بقيمه الواعي لهويته الوطنية والإنسانية… وسورية اليوم تقدم أنموذجاً على ذلك… كل ما توصل إليه العقل الغربي الخبيث من مؤامرات وأدوات فتك وغزو مع دعم مالي وضخ إعلامي لا حدود له… هذا كله اندحر وظهر عريه لكن ليس علينا الركون إلى أننا أنجزنا النصر النهائي فما زال أمامنا الكثير الكثير يجب العمل عليه وأوله إعادة صقل تجاربنا الإعلامية والثقافية والقدرة على تجاوز واقعنا مع كل ما أنجزنا وما اعترضنا.. تطوير الذات وما استطعنا من أدوات وعدم الركون إلى مقولة إننا غير قادرين … وهذا يحتاج الجميع في نقاش عام وشامل لا يستبعد أحداً ولا يوضع من غير تشاركية وتلمس مكامن الخلل وتعزيز الإيجابيات… هذا في المشهد الإعلامي والثقافي والتربوي والمشهد برمته وليس أمامنا الوقت الذي نرغب أن يكون.