الثورة أون لاين – رنا بدري سلوم:
يمكن أن تكون خواطر ذاتية نثرها القاص بقالب قصصيّ قصير، نقرؤها بجمالية الدهشة حتى نصل للنهايات المفاجئة التي تكشف حلاً للقصة بعد عقدة ليست مُحكمة إن صح التعبير، ومع ذلك لا يمكننا إلا الاعتراف بموهبة القاص “نزار مزهر” الذي كُتب عنه ” أنه موهبة شابة جديدة، تتلمس أولى خطواتها على درب الإبداع في مجال القصة”، والذي قدمته الهيئة العامة السورية للكتاب لقرائها ضمن سلسلة “إبداعات شابة” في عددها الثامن عشر في إطار سعيها لتشجيع الأدباء الشباب على بداية مشروعاتهم الإبداعية المستقبلية في مختلف الأجناس الأدبية. فما يميز المجموعة القصصية الصادرة عن الهيئة ” مخاض طفل في خاصرتي” وبرأي البنية الجمالية والفنية التي تشي بالمضمون، فتسير كقارئ متماشياً مع الطبيعة بأبجدية وسيمفونية خاصة بموهبة القاص مزهر الذي يجيد العزف على أوتار عوده فأطربنا به وسمعناه في لغته.
” ذات يوم تشاجرتُ مع غيمة اصطدمت بي عند المروج وركلت بقدميّ ماء النهر، فتطايرت الأسماك الصغيرة تسبح في الهواء، هناك فوق شجرة السرو رقص بعضٌ منها على إيقاع حجر الرحى وقطرات الزيت أيضاً فاختفت كل السطور إلا كلمة واحدة في عمق الورقة (حبيبتي)”.
في حين يتركنا القاص في تساؤلٍ، دون أن يكمل فكرته المطروحة في القصة إما أن المفردات لا تسعفه، أو أنه تقصّد الاقتضاب، لتصبح معظم القصص كطفل خديج غير مكتمل النمو إن أجدت القول، مقدماً رؤيته الخاصة عن الحب والمرأة والشهادة والألم والحياة والموت، “آخر مرة وأنتِ تودعينني مع تلك القطرات اللامعة على جبينك حاولت أن أركض خلفكِ، لم أستطع غير البكاء نعم البكاء فأنا تمثال من حجر، نصب في احتفال رسمي ساحة البلدة”.
ومن الملاحظ أن بعض القصص التي يبلغ عددها خمسُ عشرة قصة تفتقد للحوار بين الشخصيات أو الصراع فيما بينها، وهذا يفقد القصة ماهيتها، وأحياناً أخرى يغيب فيها البطل ويبقى القاص هو المتحدث بحوار ذاتي مسيطراً على الجو النفسي العام للقصة.
“في الليل نامت كل نوافذ القرية على إيقاع حبات المطر، إلا نافذة واحدة كانت تغني لها الصخور البيضاء وحجر الطاحونة بينما نقاط أخرى راحت ترسم خطوطاً معوجة على خديها، تسقي بها أحلاماً فوق وسادتها الباردة”.
ومع هذا تتميز المجموعة القصصية “مخاض طفل في خاصرتي” بالقيمة الإنسانية والوجدانية التي تتفوق على عرض الأحداث ومجرياتها، فراح القاص نزار مزهر ينثرها كوقائع خيالية ورسومات فنية ويصورها في إيجاز كمواقف نمرُّ فيها ليصوّبها بإسلوب فنيّ ويقدمها لنا قصصاً قصيرة ترجح فيها كفّة العاطفة المنسابة على كفّة حركة العقل الذي يميز هذا النوع من الفن. فلم يخرج ذاك الطفل من خاصرة مزهر وحسب بل من جوارحه أيضاً لنعيش معه كقراء مرحلة الولادة بطهرها وآلامها من جديد.