تنويعات تعبيرية وحروفية في ثقافي أبو رمانة..

الثورة أون لاين – أديب مخزوم:

“دمشق اللون والحرف” عنوان معرض أقيم في مركز ثقافي أبو رمانة بمشاركة الخطاط والموثق السينمائي محمود رشيد حديد، والفنان التشكيلي المهندس محمد دبور، والفنانة التشكيلية والشاعرة والمقدمة خلود كريمو، وتمحور حول الموضوعات الإنسانية (شخوص ووجوه) ومشاهد معمارية مشرعة على الصياغة الواقعية، مروراً باللوحات التشكيلية الحروفية والزخرفة ولوحات الخط العربي الاتباعي والفني.
محمود رشيد حديد
فمع رحلة (محمود رشيد حديد) الطويلة مع الخط والتوثيق نجده ينحاز وبقوة نحو لوحة الخط العربي المقروء والقائم على القواعد الاتباعية لبعض الخطوط، وهو يحول لوحة الخط أحياناً إلى لوحة فنية هندسية قائمة على الدقة المتناهية، بحيث يمكننا أن نرى الزوايا المحددة بخطوط مستقيمة في لوحاته الفنية، وكل ذلك بلون أسود مائل للرمادي أحياناً، مستفيداً من لون الورقة الخام التي تشكل خلفيات لوحاته. وهو يجعل حركة الحروف تتداخل لإيجاد المزيد من الموازنة والمواءمة بين حركات الحروف، وكل ذلك برقابة عقلانية متزنة ومدروسة ومركزة.
وقد يكون الطابع الروحي، أي طابع توظيف الخط للرمز الديني، هو أكثر ما يميز تجربته، ويعمق مرتكزات بحثه الجمالي والتقني. فاللوحة بالنسبة له هي مدخل لالتماس الإيقاع الذي يشكل جوهر الوجود, والخالق هو الإشارة الأولى التي تومئ بها كتاباته, وهذه الرؤى تجعل تكويناته مكتنزة بالمعطيات الروحية, متبعاً بعض القواعد الحروفية الاتباعية. ولذلك فهو لا يدخل في إطار التشكيل الحروفي البحت، المجرد من الدلالات اللغوية، وبمعنى آخر مهما استغرق في رحلته وكتاباته الحروفية المتجهة في اكثر الأحيان نحو مصدر الخلق والروح، فإنه في النهاية يهتم كثيراً بالمعنى المقروء، ويركز لإظهار روح الحرف وإشاراته وحركاته المترسخة في الذاكرة والوجدان، مبتعداً كل البعد عن الصياغات العبثية، ومعطيات الصدفة، المتواجدة بكثرة في العديد من التجارب الحروفية العربية المعاصرة.‏
محمد دبور

6.jpg
وتشكل لوحات (محمد دبور) في تحولاتها وتنقلاتها بين ما هو واقعي وما يمكن إدراجه في إطار الصياغة التعبيرية والرمزية والحروفية والزخرفية.. نحن هنا أمام أجساد تأخذنا إلى حالة تعبيرية في مواضيع المولوية، وهنا لا يتوقف عند معالجة تفاصيل الأشكال، بقدر ما يذهب لتجاوز هذه التفاصيل، فالوجوه على سبيل المثال يقدمها في أحيان كثيرة بدون ملامح، ويتجه لإظهار المزيد من العفوية في وضع لمسات اللون، وخاصة في الخلفيات، وأيضاً في تجسيد حركة الحروف العربية، بحيث تتحول الحركات الخطية، في بعض لوحاته إلى صياغات وتلقائية متتابعة ومتداخلة كأنغام موسيقية، وهو يتجاوز من خلالها الدلالات المقروءة في خطوات البحث عن العمق الجمالي والتشكيلي والإيقاعي والذاتي، وهي تمتد بين حركة الحروف وبعض الزخارف المحلية،، لإظهار العقلنة التي تتوازى مع حركة اللون وهذه الاتجاهات تؤكد غنى حركة الحروف العربية وقدرتها على التواصل مع تطلعات الحداثة التشكيلية، وتجاوز الدلالات اللغوية المقروءة، رغم أننا نستطيع أن نقرأ تشكيلاته الحروفية في لوحات أخرى (عبارات الشام ـ دمشق مثلاً) وهنا يخدم هذه المقاربة الجمالية، ويكتب الحروف بطريقة هندسية حديثة ومعاصرة.
وعلى خلاف ذلك تبدو لوحاته عن دمشق القديمة، أكثر عقلانية في اتجاهها نحو الدقة التفصيلية، وكأنها جزء حي من التراث الدمشقي القديم. وهذا يساهم في بروز الجو اللوني المنظم وفي إظهار الصياغة العقلانية الواعية والمدروسة في فراغ السطح التصويري.
خلود كريمو

7.jpg
ونجد (خلود كريمو) تركز على موضوع الوجه، الذي يحتل في أحيان كثيرة كامل مساحة اللوحة، وهي تحول الوجه في النهاية إلى حالة من التعبير الذاتي، بإضفاء المزيد من المساحات اللونية الصافية، واللمسات العفوية، التي تحقق التوازن التشكيلي المطلوب. والوجوه تستعيدها في لوحاتها، منفردة أو ثنائية، وبطريقة بعيدة عن المنطق التقليدي والتسجيلي، وأقرب إلى الأداء التعبيري.
وفي هذا النطاق يمكن اعتبار الوجه إحدى رؤى مخيلتها دائماً، ولقد وصلت من خلاله إلى نوع من الصياغة العفوية الباحثة عن معادلة تشكيلية وجمالية تدمج بين عدة حالات وتجليات عبر إدخال إيقاعات اللون العفوي وبشاعرية تبسيط الشكل الحميمي لموضوع الوجه الإنساني، والنزعة التبسيطية تؤكد حيوية التواصل مع حقيقة تعبيرية تسكن جوهر الفنون الحديثة والمعاصرة.
هكذا تتجه التشكيلية والشاعرة والمقدمة خلود كريمو إلى صياغة لوحات حديثة بأحجام كبيرة ومتوسطة وصغيرة وبألوان تلقائية ومدروسة في آن. وهي تضفي على الوجه ألواناً صريحة، بعيدة عن لونه الطبيعي، مثل الأصفر والأبيض والأزرق والرمادي، وهذا يعيدنا إلى اتجاه المدرسة الوحشية في الرسم، إلا أن وحشيتها تبقى ملطفة وليست صاخبة، فاللون يوضع بطريقة مدروسة، وبخلاف قادة المدرسة الوحشية مثل هنري ماتيس، الذي كان يضع ألوانه الصريحة على اللوحة بصخب وبعنف وبانفعال مباشر وبضربة لا تعاد.
والخط الأفقي يخترق اللوحة أحياناً في وسطها ويمر عبر الوجه، ويقسم الخلفية إلى مساحتين كل منهما مشغولة بلون، كألأحمر الذي يشغل القسم الأعلى، والرمادي الذي يشغل القسم الأسفل، واللون الذي تتغير درجته العفوية حسب الحالة الداخلية، وحسب انعكاسات الواقع الخارجي، يتفاوت بين الهدوء والحركة، وبذلك يصبح اللون حالة زئبقية لانفعالات وتبدلات الحالة الداخلية.
هكذا تتلمس ألوان الواقع الرمادي، الذي تتخلله لحظات مشرقة. من خلال اختيارها إيقاعات لونية متباينة إلى حدود التناقض في اللوحة الواحدة للتعبير عن تناقضات الواقع. وإذا كنا قد استطعنا أن نلمس أثراً لاندفاعات اللون العفوية في أماكن متفرقة من لوحاتها عبر اللمسات العفوية والتلقائية، فهذا لم يمنعنا من متابعة معالجات تقنية وخطية تنسج المساحة وتجعلها أقدر على التعبير العقلاني، من خلال طريقة تجسيد وجه المرأة، وهكذا تجسد ملامح الوجه وتعابيره المتغيرة والمتبدلة في فترات مختلفة. والوجه على هذا الأساس يشكل مدخلاً لتأمل إيقاعات الحياة ببهجتها وحزنها. إنه الصياغة التشكيلية التي تستند إليها في رسم التبدلات التي تظهر على وجه الإنسان، وهي محاولة أيضاً لرسم الخط البياني الإيقاعي الموجود في الواقع.

آخر الأخبار
الرئيس الشرع يكسر "الصور النمطية" ويعيد صياغة دور المرأة هولندا.. جدل سياسي حول عودة اللاجئين السوريين في ذكرى الرحيل .. "عبد الباسط الساروت" صوت الثورة وروحها الخالدة قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل خرقها اتفاق فصل القوات 1974 "رحمة بلا حدود " توزع لحوم الأضاحي على جرحى الثورة بدرعا خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار "أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً