الثورة أون لاين – سلام الفاضل:
تُعدّ الدراسة الدلالية جديدة في المناهج التعليمية، على الرغم من أن معطياتها تدخل الحياة اليومية، وذلك في مختلف المجالات التواصلية، في البيت والعمل والسوق، كما في المدرسة والجامعة.
وانطلاقاً من الأهمية التي بات هذا العلم يتبوؤها، إلى جانب ما للوعي به من دور في التأسيس لمجتمع منتج متماسك، وأثره في زيادة فاعلية اللغة العربية، واتصالها بالحياة اليومية في مواجهة طغيان اللغة الأجنبية؛ فقد خصصت سلسلة “قضايا لغوية” الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، كتيبها الجديد الذي يحمل عنوان (الدلالة العربية المعاصرة… تطبيقات على المتداول اليومي)، تأليف: د. فايز الداية، للحديث عن هذا المفهوم.
علم الدلالة..
يفتتح هذا الكتيب فصوله بالحديث عن علوم اللغة وعلم الدلالة، مبرزاً أن بدايات هذا العلم الحديث – أي علم الدلالة – تعود إلى جهود عدد من اللغويين الأوروبيين، ومنهم: بريال الفرنسي الذي قدم في عام 1883 مصطلح “دلالات الألفاظ اللغوية، ثم السويسري فريناند دو سوسير الذي وضع ركائز مهمة في الوقوف على الدال والمدلول، وتحديد العلاقة الاعتباطية بينهما، إلى جانب الإشارة إلى ما شهده النصف الثاني من القرن العشرين من كتب متخصصة باللغتين الإنكليزية والفرنسية حملت عنوان (علم الدلالة)، في حين أن اللغة العربية عرفت هذا المصطلح الجديد عنواناً في فصول عدد من الكتب اللغوية، ومنها: كتابا د. علي عبد الواحد وافي (علم اللغة)، و(فقه اللغة).
ثم ينتقل مؤلف الكتيب للحديث عن الدلالة التطبيقية مستعرضاً عدداً من المصطلحات كالسياق، والدال، والمدلول، والوحدات الدلالية، موضحاً أن قوانين التطور الدلالي لأي مفردة تبرز في العمل الدلالي؛ فالكلمة في سيرورتها الحضارية والدلالية تتطور فتخصص مساحتها، أو تتوسع هذه المساحة، وتنتقل من حقل دلالي إلى آخر.
الرصيد اللغوي..
ويتابع المؤلف بحثه فيدخل في موضوعة (المتداول اللغوي المعاصر)، ويبيّن أن التداول اللغوي يقوم على علاقة بين طرفي المتكلم، ومع هذه الصلة تتحرك الكلمات والجمل، وتستمر مسيرة اللغة والمجتمع. ويرى د. الداية أن الأداة اللغوية كلما كانت واضحة وسليمة كلما تم ذلك التواصل اللغوي بيسر وسهولة، وأن أي خلل أو فجوة في هذه الأداة يسبب سوء فهم لا لبس فيه.
ويعرج هذا الكتيب أيضاً على الرصيد اللغوي أو ما يُطلق عليه باحثون اسم (الثروة اللفظية)، حيث يرى المؤلف أنه يمكن تقسيم هذا الرصيد إلى: رصيد عام لا تتغير دلالته، ورصيد متطور مع كل حقبة في تاريخ اللغة تلبية لما يستجد من محسوسات، أو جوانب فكرية وفنية، والرصيد الثقافي، والرصيد العمري أو التعليمي.
الدلالات المتطورة..
ويتتبع هذا الكتيب كذلك في جزئية (العربية المعاصرة في دلالتها المتطورة) عدداً من الدلالات العربية فيما يقارب الحقول الدلالية، ويذكر ما فيها من تطور، وذلك بالإشارة إلى المساحة الدلالية ووحداتها، وقوانين التطور الدلالي (التوسع، والتخصيص، والنقل الدلالي)، وذلك وفق محاور الأفق اليومي الحيوي في البيت والشارع والعمل والعلاقات الاجتماعية، مع سوق نماذج من القطاع الطبي والعلاجي، وقطاع الإعلام والفنون، ووسائل التواصل والمواصلات.
ليغدو هذا الكتاب ختاماً وثيقة مهمة تُقدم عبر الصفحات المتتالية أمثلة على التجدد والإضافة في مجال الدلالة اللغوية العربية، مع عرض بعض الدلالات المتطورة لبعض المفردات في حقب سابقة، مما يفيد أهل اللغة العربية، ويجعلهم أقرب ودّاً إليها.