الثورة أون لاين – فؤاد مسعد:
يبدو أن متطلبات السوق الدرامي غيّبت بالضرورة شرائح عمرية عن الحياة وحولتها إلى مجرد هوامش وأدوار ثانية وثالثة ، وبالتالي النجم الذي كانت تدور الأحداث حوله فيما مضى ضمن العمل الدرامي تحول دوره رويداً رويداً إلى ضيف شرف كأن يؤدي دور الأب أو الأم أو الجد أو العم لأحد أبطال المسلسل بعدد محدد من المشاهد وظهور مقتضب والقليل من العبارات المعتادة ، ونادراً ما يكون لهذه الأدوار محاور وخطوط درامية كاملة ضمن العمل ، وإنما يتم الاكتفاء بأن تكون (سنيّدة) لأدوار البطولة ، فالعائلة لن تكتمل إلا بوجود كبير في العمر والحارة ، لا يبدو التنوع فيها إلا إن كان لهذا العمر حضور بصفة (مرور) لا أكثر ، كما أن راود المقهى لن تكتمل جمعتهم إلا بوجود مُتقاعد أو أكثر بينهم ، وفي أحسن الأحوال ربما يكون لهذه الشخصية حكايتها البسيطة التي تردف العمل لكن دون الولوج إلى العمق وإنما توضع بهدف إطالة عدد الحلقات وليس لأن هذه الشريحة العمرية تستحق أن يُسلط عليها الضوء ، والسبب أنه لا تُكتب أعمال تتوافق مع أعمار هذه الشريحة وعلاقاتها ومشكلاتها ، فهي مرحلة عمرية باتت مع الوقت منسية مُهمشة في الدراما وإن طُرِحت فيتم تناولها بخجل عبر أحد الخطوط الفرعية ، وكأن العالم كله قد تم اختصاره بأشخاص أعمارهم في العشرينيات أو الثلاثينيات وأحياناً وبالمصادفة هم في الأربعينيات ، وما عدا ذلك يبقى خارج الزمان ولا يستحق أن يكون له عمل درامي يحكي عن همومه الحقيقة وهواجسه المقلقة .
مما لا شك فيه أن إهمال هذا العمر كمحور أساسي يعكس النظرة المحدودة لدور الدراما في المجتمع ، رغم أن هناك الكثير من الموضوعات التي يمكن معالجتها وتحمل تشويقها وملاصقتها للحياة ، فعلى سبيل المثال الوحدة التي قد يعاني منها أو حالة الحب في عمر مُتقدم أو معاناته مع واقعه وآلية تفكريه وتعاطيه مع المحيط ، كما أن المتقاعد له العديد من المشكلات التي يمكن أن يُكتب عنها مسلسل كامل ، ولا يكون مجرد خط ثانوي يتم الإشارة إليه ضمن أحداث جثام يتناولها المسلسل ، وأمام هذا الواقع تبقى هناك خروقات تحدث هنا أو هناك ولكنها تبقى نادرة أو محصورة ضمن أطر معينة ، أي أن تكون الشخصية متقدمة في العمر إلا أن صراعاتها التي تعيشها بعيدة عن فكرة المرحلة العمرية وتداعيتها .
المفارقة أنه في الوقت الذي ابتعدت الدراما التلفزيونية عن تناول هذه الشريحة العمرية نجد العديد من الأفلام السينمائية التي خاضت غمارها وعكست ضمن أحداثها آلية حياة هذه الشريحة عبر محاورها بشكل أو بآخر ضمن حكاية معينة ، ومنها (دمشق حلب ، الأب ، أمينة ، درب السما ..) ، والأمثلة عديدة في السينما العالمية التي تحكي عن كبار السن ، فهم أشخاص موجودون في المجتمع ولهم حضورهم ودورهم الفاعل فيه ، يحبون ويكرهون ، يعيشون إنسانيتهم وصراعاتهم اليومية مع الحياة ، لديهم مشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية والوجدانية والعاطفية .. ولكن للأسف يبدو أن حكاياتهم لا تغري المنتجين وغير مُرحب بها على الشاشة الصغيرة ، فالمنتج يبحث دائماً عما يمكن أن يُسوّق له عمله في العالم العربي ، وتبقى فكرة أن تكون قصص المتقدمين في العمر محور لمسلسلاته خارج إطار الاهتمام