الثورة أون لاين – رفاه الدروبي:
قدمت لمدة نصف ساعة مسرحية “ترنيمة للموت” عن قصة أنطون تشيخوف (كلخاس) ومشاهد من شكسبير ، إعداد الدكتور محمد ياسين وخالد الطالب ، وأدى المسرحية كل من خالد الطالب ومحمد خير كيلاني ، وكان إهداء العمل لروح الكاتب والباحث محمد بري العواني على مسرح قصر الثقافة بحمص .
تضمنت كلمة المخرج خالد الطالب “بكل العبثية التي نعيشها اليوم نجد أنفسنا نواجه مصيراً مجنوناً لا نعرف له بداية ولا نهاية ، لعل ما نعيشه اليوم في عالمنا يقربنا من أجواء الموت .. الضجر .. اليأس .. التنافر ونقف متسائلين ترى هل تستحق هذه الحياة أن تعاش؟
المخرج الطالب تحدث للإعلاميين بأنه لجأ في “ترنيمة الموت” للمزج بين مشاهد من مسرحية كلخاس للكاتب الروسي أنطون تشيخوف وشكسبير والملك لير وماكبث ، وأخذ من الملك لير لأنه يعاني نفس معاناة كلخاس من خيانة المجتمع والحياة والحبيبة ، ووجد في المسرح الإخلاص له فبقي واقفاً عليه حتى مات على خشبته مشيراً إلى محاولته لتقديم العمل بطريقة الشكلانية والمنمنمات بحيث يلعب الممثل على القضايا كي يقنع بشكل أكثر وكان الإحساس وعده مهماً جداً في العمل وخاصة أعمال تشيخوف ، مشيراً بأن الإحساس عندما يقل تخرج عن نظام مسرحه .
أما عن سبب اقتباسه من أعمال عالمية وابتعاده عن كتابات ونصوص محلية فقال : بأنه لم يجد كتاباً يتحدثون عن الواقع الراهن إلا في حال طرقوا باب الكوميديا السوداء ، واعتبر بأنها أكثر واقعية بسبب محاكاتها الواقع الراهن بكل منغصاته ، لافتاً إلى محاولته بعض الإسقاطات من الواقع هرباً من مقص الرقابة من خلال عمل عالمي .
محمد خير كيلاني تحدث عن شخصيته في المسرحية “نكيتا إفانوفيتش” فتحدث بأنه بعد عشر سنوات يعود للمسرح من جديد وقد اتجه ميوله في السنوات الأخيرة للفن الشعبي وأبراز شخصية الحكواتي لكن يعود كي يؤدي دور ملقن بالمسرح هجّرته الحرب ليكون المشهد إسقاطاً على الحرب وما فعلته من تهجير للناس ومنهم من افترش أرض المحال والمكاتب وغيرها ، وكان نصيبه كملقن أن ينام بالمسرح .
ونجد في أعمال شكسبير وخاصة في مسرحية “ماكبث” تعكس الغدر من بناته وأزواجهم ، مبيناً بأن العمل يتوجه لحالة إسقاط على واقع فيه شخصيات تتناحرعلى الميراث وكل الأشياء ، والنص يعتبر واقع حرب فيها خيانة وغدر “نديم محمد” .. بين حرِّية الضوء وحرِّية الألم
لم يشأ أن يكون غيره ، ولم يكن ليكون إلاهُ .. كان طاقة عشقٍ متحرّكة باتِّجاه الآتي ، يوغلُ في تجاعيد الزمان ، ليولده المكان آيةَ نجوى على البلوى .
قاسم الهموم مشاغلها ، فمنحها لواعج نفسه بآلامه التي عزفت على أوتار الرحيل ، بقايا عشقٍ مفجوعٍ ، حين أنكر دهره عليه حبّهُ الجامح لابنةِ الأرض ، ابنة التين والزيتون ، فإذ به يغيب تاركاً ظلّ قلبه ، على ريفٍ صخري باح له يوماً بشاعريةٍ ممتلئة بهواجسٍ إلهية لا تُبقي ولا تُذر .
إنه الرحيل ، وهو الأنجع لوقف النزيف الهائج بين قلبين إلى حين ، فالشجن يبعث الشجن ، وبقايا لقاءٍ يحمله على ظهرِ زيوس الذي حمل أوروبا إلى ما وراء المتوسط ، فهل يقوى شاعرٌ على هجرِ الحبيبة ؟.
يقوى ولا يقوى ، ويحملها معه طيف آلهةٍ شرقية .. هكذا بدا له أن الأمر يستحقُّ المغامرة ، فتمرّد على مجتمعٍ أعياه جهلهُ الذي رماهُ في قاعِ العصبية ، جثّة مازالت تتفسّخ، ناشرةً روائحَ البغض الكريهة .
قد يصقلُ السفرُ سجايا المرءِ فيدرك رغم البعد ، بأن هناك صوت فلاحٍ عجوز ، مازال يوقظ تراتيل فجر القرية الجبلية ، وبأن الصباح يشرقُ من وجهِ حبيبة ، ستبقى تلقّم التنور استعداداً لإطعام النهار أرغفة الشمس .
هذي بقايا شاعرٍ ، حمل آلامهُ عبر البحار ، فعتّقها هناك حتى أصبحت، نوافير نورٍ لمن يتقنُ منادمة النور .
عاد ، ولم يكن يدري أنه غير قادر على العودة ، فعاود الرحيل مرّة أخرى ، حتى دعَّم استكانة القلب إلى حين ، بعد أن أطبقت شبكة الصياد على من يُحب ، وبقوة المجتمع المنغلق على ذاته ، فقفل عائداً نديماه الشعر والخمر ، فإن غضب يجرح بلا رحمة ، وإن حنَّ إلى شعاب الحبيبة ، يدمي القلوب رقَّة ، فيُبكي الحجر والشجر ، حتى لتسمع أنين النهرِ ، وتأوّهات البحر ، في ثنايا القصيدة :
“ما لهذا الهوى يمزِّقُ أوصالي ويفري جوانحي كالحسامِ/ ويمجُّ اللهيبَ في كبدي الثكلى ركاماً ينهدّ فوق ركامِ/ فأغنِّيهِ من دمي ويغنيني من السحرِ أوجع الأنغام/ ما أبالي شحوب لوني وضعفي ونحولي ورقتي وسقامي/ ما أبالي ضحك العواذلِ من شيبي وعجزي ورعشتي في الزحامِ/ وخمودي سكران في مطلع الفجر على الشوك والحصى والحطام/ أيها المشفقون/ لا تلمسوا الكبر بنفسي/ فتقصِّروا أيامي” .
يالهذا العشق كم يمنحنا وكم نمنحهُ .. كم يعانينا وكم نعانيه ، بين حرية الضوء وحرية القلب ، بين الطبيعة وماوراء الطبيعة ، هو ذاك الذي يحدِّد حرية الشاعر ، فإن هُزمت حريته ، مضى أعرج يتَّكئ على فشله ، وإن تقمّص حرية العشق .
كان خلاَّقاً بحرِّيته ، مليئاً بإنسانيّته ، ثائراً كالعاصفة ، هادئاً كالعاطفة .
هذا هو ومن هو ؟.. وكيف كان ولم يكن ليكون لولاها .. لولا ذاك الوجه المنير ، تحت منديل فلاحةٍ لا شرقيةٍ ولا غربية .. بل سوريّة سوريّة .
هكذا تجرفنا تيارات الذاكرة إلى شواطئ الشعراء العظماء ، الذين فتحوا أبواب الغفلة بالثورة الفكرية على مجتمعاتهم الرازحة تحت نير العبودية الثقافية والعقلية ، فكانوا كوكب الشرق المضيء .
مع ألمه الأخير ، نستدعي قوله ، علّنا نتعلّم الصبر من صبره ، ونمتلك بعض الحكمة من قوله : “قدرُ الحرّ أنه يركبُ الصعبَ/ ويسري في جوفِ ليلٍ مطير”.
نعم ، من جوف الليل إلى شرفةِ الفجر ، كان الشاعر “نديم محمد” يعاشق حرّية الألم ، بألمِ حرّية الضوء