الثورة أون ﻻين -آنا عزيز الخضر:
استمرت الملتقيات الثقافية التي تقيمها المراكز الثقافية رغم كل الصعوبات التي يعيشها المجتمع السوري،محتفية بالكثير من السمات، التي تقدم مؤشراتها على مشهد ثقافي ناضج ،مبلورا الحالة الثقافية والوطنية والاجتماعية المتميزة، حيث أكدت ندواتها المستمرة التي تقدم مبدعين ألهمهم حب الوطن واناسه والتضحيات، فأبدعوا في تجاربهم حيث تألقت موهبتهم الادبية بوحي وجدان حي ومشاعر وطنية وإرادة، فكانت التجارب صورة مشرقة عن ثقافة متجذرة وهوية عريقة لشعب يواجه الملمات بالتحدي والصمود والثقافة.
في الحديث عن هذه الملتقيات ترى هناء ابو اسعد أن الكلام في الثقافة من الصعب حصره في موضوع واحد، لكن يمكنني القول بأن أمة أنجبت ابن سينا وابن النفيس ثقافة هي ذاكرة الشعوب، ونحن اليوم في عالم متغير، عالم الانفتاح على التكنولوجيا الحديثة، والعولمة التي باتت في متناول الجميع، وبات الاهتمام بالثقافة شيء ضروري، ويجب التفريق بين الثقافة والحضارة.. فالثقافة هي الابداع والخلق المستمر للذات أما الحضارة فهي التغيير المستمر للعالم..
في كل مراحل الحياة التي تمر بها البلاد، يكون للثقافة دورها الرائد والفعال في الحفاظ على المكتسبات الوطنية وطرح حلول عصرية ،تتأقلم مع الأوضاع والظروف وتفتح فرصا للتنمية وإيجاد الحلول .ونحن في سورية مررنا بتغيرات كثيرة خلال سنوات الحرب، فكان لابد من تعميق الوعي الثقافي عند هذه الأجيال، التي فتحت أعينها على التكنولوجيا والعولمة وما تفرزها من سلبيات وإيجابيات، وباتت المراهنة على الثقافة من الأمور المسومة للحفاظ على ما تبقى من موروث ثقافي وإرث حضاري ، ومن غير الجائز إهمال القطاع الثقافي من المشاركة في التحديات والتنمية ، بل يجب أن يكون دوره فعالا وأساسيا في جميع القطاعات لتنمية الوعي الفردي والجماعي على الخطر الذي دخل منازلنا من جراء تلك العولمة.
*ماذا عن الملتقى “نوافذ” الذي تشاركين فيه ؟
من خلال تجربتي في مشروع نوافذ الثقافي بدعوة من الناقد والصحفي ادريس مراد مدير المشروع مشكورا ً، الذي أقيم برعاية وزارة الثقافة في مجمع دمر الثقافي، وكان موضوعه نقاش عن الاعمال الأدبية الأربعة “: ديوانا شعر الأول بعنوان (العابر في كانون) والثاني بعنوان (بالأمس كنا)، وكتابان لليافعين صدرا عن الهيئة السورية للكتاب في وزارة الثقافة الأول ” أبو خليل القباني ” والثاني ” نهاد قلعي ” ، وجدت تفاعلا مباشرا من الحضور ونقدا بناء “سلبي وإيجابي” من خلال الحوار بيني وبين الحضور وبين الحضور أنفسهم، وهذا دليل على الدور الاجتماعي، الذي تلعبه نلك الأمسيات، وليس الثقافي فقط , وتبادل وجهات النظر وخلق نوع من التنافس الفكري بين الجمهور.
الاتصالات الحديثة وتكنولوجيا المعلومات والانتقال على المجتمع المعلوماتي والشبكة العنكبوتية، أثرت كثيرا على مختلف جوانب الحياة، ولاسيما الاجتماعية والثقافية، وأصبحت وجبة الثقافة، تأتي جاهزة وانت في منزلك ،وأصبحت الثقافة كأنها سلعة، لذلك لابد من الاهتمام بتلك الامسيات والندوات ،لأنها بصراحة مقياس لرقي المجتمع في كافة الصعد والمستويات، فالحراك الثقافي الصحيح يعني حراكا وطنيا صحيحا وحوارا سليما.
نلاحظ أن المنتديات الثقافية والأمسيات الأدبية تجرى بشكل دوري وروتيني في العديد من المراكز التفافية ومازالت تتطلع إلى مواكبة الهم الثقافي ولكن نحن بحاجة إلى تلك الأمسيات واللقاءات الثقافية لضرورة تعميق المعرفة كسبا وعطاء وخاصة عند الشباب كما ذكرت ولكن لابد أيضا من التفكير في تطوير أساليب تلك الامسيات، لتستقطب عددا أكبر من الحضور بعيدا عن الأساليب التقليدية المعروفة، وقد تتحول بذلك إلى عامل مساعد في اكتشاف المواهب الثقافية بكافة أنواعها الأدبية وإبرازها على الساحة الثقافية، كما أنها فرصة لتعريف الأفراد ولاسيما الشباب واليافعين بالموروث الثقافي لدى سورية خاصة وأننا نملك مخزونا ثقافيا “علمي وشعبي” غنيا جدا، فتعزز تلك الأمسيات قيمة الثقافة والفكر في المجتمع وتساهم في بلورة بعض الأفكار من خلال الاستماع إلى آراء مختلفة ومتنوعة في اللقاء.
*برأيك ما أهم التحديات التي تواجه ثقافتنا؟
التحديات التي تواجه ثقافتنا ليست العولمة فقط ،بل هي حرب ثقافية، للسيطرة على العقول ، حرب ناعمة وباردة، لا يشعر بها الكثيرون، لكنها قد تتواجد في أي مؤسسة، وتستخدم الثقافة والشاشات والتكنولوجيا لتغيير الفكر والآراء بهدف تحقيق أهداف اجتماعية وسياسية واقتصادية، وهذا مظهر من مظاهر الغزو الثقافي. فالتطور لا يعني قلع الجذور ورميها بل بالعكس يعني التشذيب والتأقلم مع الظروف والأوضاع بشكل متطور وعصري بدون المساس بالجذور، وما أصابنا في سنوات الحرب الأخيرة ، جعل الكثير من الأشخاص سريعي الانقياد والتأثر وتحول إلى أداة للتدمير بدل البناء، لذلك لابد من الاهتمام بالثقافة لأنها الحضارة ، فالحضارة لا تعني ذوبان الهوية والانخراط في العولمة
وعادات الغرب، بل الحفاظ على الجذور والموروث الثقافي، ويكفينا فخرا بأننا بلد الابجدية، وكنا قبل تلك الحرب اللعينة ،نستقطب كل دول العالم للمشاركة بنشاطاتنا الثقافية ، لذلك أتمنى من المهتمين بالجانب الثقافي الحرص على إقامة الندوات والمنتديات الثقافية في مختلف المدن، وليس في دمشق فقط والحرص أيضا على الاهتمام بالموهوبين الشباب وعدم تكرار نفس الأسماء في الكثير من الأمسيات، فهناك كثير من الموهوبين، لم تسمح لهم الفرصة بالظهور.