تتجه صالة مركز الفنون البصرية، يوماً بعد آخر، لتكريس الفنون التجهيزية والتركيبية والدادائية والكولاجية والعبثية، حيث باتت وكأنها متخصصة بفنون ما بعد الحداثة، التي ازدهرت في أوروبا، بعد الحرب العالمية الأولى، وحولت بعض قاعات الفن الحديث في المدن الكبرى، إلى عالم من القمامة والنفايات، المعبرة عن تمزقات المجتمعات الاستهلاكية.
فالعمل الفراغي الكروي المعروض في مركز الفنون البصرية (يتجاوز قطره الثلاثة أمتار) يشكل حلقة جديدة في طريقة التعامل مع النفايات الصناعية الآتية من المهملات الفاقدة القيمة، والتي تم تحويلها إلى عناصر تشكيلية حديثة ومعاصرة، لها ملامسها وإيقاعاتها وجمالياتها الخاصة، وهو ما يطلق عليه في الغرب بإعادة تدوير النفايات والقطع المرمية والمنسية.. فبقايا الأجهزة الإلكترونية والعلب والعجلات وكل ما يمكن أن يوجد في حاويات القمامة، تحول هنا إلى عمل فني أنجزه خزيمة العايد، ولقد تم إدخاله على مراحل، وتجميعه داخل الصالة، والعمل يحوز إعجاب الزوار، بدليل أنهم يلتقطون الصور التذكارية بجانبه منفردين ومجتمعين، ولهذا يمكن أن تتكرر هذه التجربة في أماكن أخرى، نظراً لنجاحها في استقطاب الجمهور، وتعريفه إلى وسائل تعبيرية حديثة مغايرة لمألوفه، بعد أن انقلبت المعايير الفنية والجمالية والنقدية رأساً على عقب.
وفي الجهة المقابلة للعمل الفراغي في الصالة الكبرى، عرض صلاح حريب، لوحة كبيرة يحتل قسم منها جدار الصالة، ويشغل القسم الثاني منها جزءاً من أرضيتها، وهي منجزة بألوان الأكريليك على الكانفاس، وتطغى عليها الألوان الرمادية المعبرة عن رمادية الواقع، وضياع الأحلام فوق سواد دخان حرائق المدن المنكوبة والمهجرة.
ومن خلال تأملات هذه الجدارية يستطيع المشاهد، على الصعيد التشكيلي، أن يستشف فيها العناصر الإيقاعية البصرية الأكثر مغامرة وجرأة وحداثة وتواصلاً مع معطيات الفنون الحديثة والمعاصرة، فهي تقترب من التجريد، رغم انطلاق عناصرها من الواقع.. إنها خطوة جريئة تتفق في مدلولاتها الإيقاعية مع موجات ما بعد الحداثة التعبيرية والتجريدية.
وفي قاعة العرض السينمائي يتابع الزائر فيديو قصير من إعداد يعرب طلاع، يدرج ضمن الفنون القائمة على التشكيل بالضوء والخط المنبعث من الشاشة، حيث نجد الانطلاق من الواقع، ومع تحولات الأزمنة والأمكنة يتفتت الواقع، وتتحول العناصر فيه إلى مساحات هندسية (مستطيلات ومربعات وخطوط مستقيمة ومتوازية..) قبل أن تتلاشى ويظهر الواقع من جديد بألوانه الرمادية والقاتمة إلى حدود السواد.
رؤية ـ أديب مخزوم