لنعترف بداية أن النظام الضريبي المطبق عندنا يفتقد إلى مقومات النظام الضريبي العادل، وأهم هذه المقومات العدالة، والملاءمة، والوضوح، والاقتصاد في نفقات الجباية، ولم يحقق سوى الهدف الأول من أهداف الضريبة ألا وهو الهدف المالي على حساب الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، إذ تم تغليب الاعتبارات الخاصة بمصلحة الخزينة على غيرها من اعتبارات العدالة والكفاءة، وذلك على الرغم من الإعفاءات الكبيرة التي أعطيت للاستثمارات في كافة المجالات الاقتصادية، إلا أن آثار تطبيق هذه القوانين كانت سلبية أكثر مما هي إيجابية، كون أصحاب تلك الاستثمارات يخفون عن الدولة أرباحهم الحقيقية التي يتوجب دفع الضريبة عليها.
وهنا نشير إلى أن النظام الضريبي النافذ حالياً يعتمد على نظام الضرائب النوعية وعلى المطارح المتعددة، وهو في هيكله العام وليد تشريعات عديدة وضعت موضع التنفيذ خلال ظروف مختلفة خلقت في بنياته في كثير من الحالات، تبايناً واضحاً سواء من الوجهة الفقهية البحتة، أم من جهة أساليب التطبيق في الطرح وإجراءاته وجباية الضريبة، الأمر الذي يدفعنا للقول بأن ما نشهده من حراك باتجاه إصلاح نظامنا الضريبي كمنطلق للإصلاح الاقتصادي، وذلك بهدف زيادة معدلات النمو وإحداث توازن في الموازنة العامة للدولة، وفي ميزان المدفوعات من خلال ترشيد الإنفاق العام، وزيادة الموارد الضريبية وتنشيط الصادرات، وزيادة الاستثمارات والادخار، وإعطاء دور حيوي وهام للقطاع الخاص في المساهمة في عملية التنمية، حيث يعد الإصلاح المالي نقطة الانطلاق في عملية الإصلاح الاقتصادي كما قلنا سواء على صعيد الإنفاق العام بشقيه الجاري والاستثماري أم على صعيد الموارد وفي مقدمتها الموارد الضريبية بشقيها المباشرة وغير المباشرة، بحيث يكون الهدف الأول والمباشر لعملية الإصلاح هو تحقيق العدالة.
من هذه الأهمية باعتقادنا يفترض أن ينطلق أعضاء لجنة إصلاح النظام الضريبي المكلفة بوضع خطة متكاملة تعتمد على ثلاثة مستويات حلول إسعافيه للنقاط المهمة، وحلول على الأمد المتوسط لبعض المحاور الأساسية في هيكلية النظام الضريبي، والكيان المتكامل للنظام الضريبي على الأمد الطويل، شريطة أن يتضمن ذلك بعض التعديلات التشريعية والإجراءات الإدارية اللازمة، مع التركيز على تقانة المعلومات في كافة المراحل.
ناهيك عن ضرورة إعادة النظر بمعدلات ضريبة الدخل المرتفعة التي تساعد ليس فقط على التهرب الضريبي وإنما تعد عاملاً كابحاً للاستثمار ولا تشجع إطلاقاً على استقطاب رؤوس الأموال للعمل في سورية، والتي نحن بأمس الحاجة إليها لتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب ومعالجة مشكلة البطالة.
فما نؤكده أيضاً أن تأخذ اللجنة المكلفة إصلاح النظام الضريبي بعين الاعتبار وضع نظام ضريبي متطور يلبي الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية ويحقق العدالة، ويعالج الاختلالات التي تعانيها التشريعات الضريبية، وذلك للحد من التهرب الضريبي الذي غالباً ما تكون أدواته عند التجار بعض العاملين في المالية.
حديث الناس – إسماعيل جرادات