«دهشــــةُ الســــينما وصــــــورة الكلمـــــة»

 

الملحق الثقافي:سلام الفاضل:

يُعدُّ «بندر عبد الحميد» نموذجاً فريداً من المثقفين عموماً، ومن المثقفين السوريين على وجه الخصوص، وتأتي خصوصيته من أنه واحدٌ من أعلام مرحلة، فهو شاعرٌ مهمٌّ، وصوتٌ خاص جداً بين شعراء السبعينيات من القرن العشرين في سورية والعالم العربي، كما أنه صحفيٌّ، وناقدٌ سينمائي، تفوق وتميّز في كلِّ جانبٍ من جوانب إبداعه، فلم يمارس أي نوع من أنواع التنطُّع والادِّعاء، وعاش حياة صاخبة بكلِّ معاني الصخب، وتفاصيل الإنسانية، وفي الوقت نفسه عاش هادئاً بعيداً عن كل نقاش أو معركة لا تجدي، ولا تعطي نفعاً للوسط الأدبي والمعرفي والثقافي.
مع مطلع عام 2020 رحل «بندر عبد الحميد» عن دنيانا، فكان لا بدّ من الاحتفاء به، وبإبداعه الذي كان زاهداً به على تميّزه، وعليه فقد أقامت وزارة الثقافة، ندوة تناول فيها المتحدثون خصال الفقيد، وتجربته الشعرية، وإبداعه الذي انسحب على فنونٍ شتى، وقد جُمعت فعاليات هذه الندوة في كتابٍ صدر مؤخراً عن «الهيئة العامة السورية للكتاب» وتحت عنوان: «بندر عبد الحميد.. دهشة السينما وصورة الكلمة»، وهو من إعداد وتوثيق: د. إسماعيل مروة، ونزيه الخوري.
حوارٌ من طرفٍ واحد
تحدث في بداية الندوة، د. عابد إسماعيل، وتناول جوانب من خصوصية «بندر عبد الحميد» الشعرية، إذ رأى أن شعريته تقوم على خدمة المعنى والوفاء له حتى النهاية، وليس نسفه أو الهروب منه، فـ «عبد الحميد» يسعى إلى تكريس سلطة الدلالة وعلاقتها بمدلولاتها، لذلك ابتعد عن الغموض أو الترميز الشديد، ونفر من الزخرفة البلاغية والصرفية، رغبةً منه في تكريس قيمة شعرية أخرى، تتَّكئ على الوضوح والتلقائية، وأحياناً التقريرية، من خلال قصيدة لا تخجل من انتمائها إلى جيل السبعينيات في سورية.
بعد هذه البداية، عرج د. «إسماعيل» في مداخلته، على ديوان «حوار من طرف واحد» الذي صدر عام 2002، وتعمّق في جزئيات هذا الديوان، حيث بيّن أن شخصية الشاعر فيه كانت مكشوفة، وعارية، تستقبل العالم البرَّاني بكلِّ ضجيجه وتناقضاته، وشوارعه وضحاياه.
أيّها الجمال كم مرة علينا أن نودعك
أيضاً، قدَّم أ. «سامي أحمد» الذي ألهمته الصداقة العميقة التي جمعته بـ «عبد الحميد»، نصاً مفتوحاً تطرَّق فيه إلى إبداع وشعر وحياة الشاعر الراحل، حيث أشار إلى أن بنية القصيدة المستمرة عند «عبد الحميد» تكمن في حضور مفاهيم الترميز والتأويل التي تتيح لنصه التعدد حدّ الالتباس، ليعرج لاحقاً على أول قصيدة نُشرت للشاعر في البدايات، وبالتحديد عام 1968، وهي قصيدة عمودية حملت عنوان «البلبل الغريد» ليخرج منها باستنتاج مفاده، أن «عبد الحميد» استطاع أن يعبِّر بقصيدته، نثرياً بالوزن، وشعرياً بالنثر، وشعرياً بالوزن، منذ بداياته التي تعود إلى أواخر الستينيات من القرن المنصرم.
تابع «أحمد» جولاته في إبداع الشاعر ليصل إلى أول ديوان له «كالغزالة.. كصوت الماء والريح» الذي نُشر عام 1975، ورأى بعد سرد مقطوعات شعرية من هذا الديوان، أنه – أي الديوان – تعبيرٌ حقيقي عن هذا العصر، وهو حصيلة إبداع شاعر منقطع عما هو سائد، يهوى المفاجأة والرقص، ويهدم كل حدٍّ بحيث لا يبقى أمامه غير حركة الإبداع التي يفجِّرها في الاتجاهات جميعها.
كونٌ من حب
عرض د. «إسماعيل مروة» بدوره، صورة وجدانية عن قرب، لـ «بندر عبد الحميد»، إذ أوضح بأنه من المخلوقات النادرة التي يصعب الحديث عنها، ويعجز المرء إن أراد البحث عنها، ولا يستوعب الإنسان وجود مثيل لها على الأرض، فهو إنسان حرّ له قناعاته وحياته التي لا يتنازل عنها، وفي الوقت نفسه، لا يفرضها على أحدٍ، بما في ذلك الذين يحيطون به، وفي معرض حديثه عن تجربة «بندر عبد الحميد» الشعرية، أشار د. «مروة» إلى أن «بندر» حالة مختلفة جداً، فهو واحد من أهم شعراء سورية في السبعينيات والثمانينيات، وقد صنَّفه دارسو الأدب الحديث في سورية والعالم العربي في مكانة متقدمة، إلا أنه كان، والحال كذلك، لا يعير بالاً لشعره ولا دواوينه، وكانت هذه الخاصية – من وجهة نظر د. «مروة»، دليلاً على أهمية الشاعر الفكرية أو الشعرية، فهو شاعر يعيش حالته، ويبدع قصيدته، وينطلق إلى الآفاق البعيدة دون أن يتعلق بقصيدته، ويتغنى بها.
من الجدير ذكره ختاماً، بأن هذا الكتاب قد حفل في الصفحات الأخيرة منه، بمجموعة من المختارات الشعرية التي تم انتقاؤها من عدد من إصدارات بندر عبد الحميد الشعرية.

التاريخ: الثلاثاء23-2-2021

رقم العدد :1034

 

آخر الأخبار
محاور لإصلاح التعليم الطبي السوري محافظ حلب يبحث مع وفد ألماني دعم مشاريع التعافي المبكر والتنمية ابن مدينة حلب مرشحاً عن حزب الخضر الألماني خاص لـ "الثورة": السوري تامر غزال يكتب التاريخ في بافاريا.. "أنا الحلبي وابنكم في المغترب" سوريا تفتح نوافذ التعاون العربي عبر "معرض النسيج الدولي 2026"  رفع العقوبات إنجاز دبلوماسي يعيد لسوريا مكانتها ودورها الإقليمي دعماً للإعمار.. نقابة المهندسين تؤجل زيادة تكاليف البناء من التهميش إلى التأثير.. الدبلوماسية السورية تنتصر  متبرع يقدم جهازي "حاقن آلي" وتنفس اصطناعي لمستشفى الصنمين بدرعا  حملة شاملة لترحيل القمامة من مكب "عين العصافير"  بحلب بين دعم واشنطن وامتناع بكين.. الرحلة الاستراتيجية لسوريا بعد القرار "2799" ما بعد القرار "2799".. كيف قلب "مجلس الأمن" صفحة علاقة العالم مع سوريا؟  خبير اقتصادي ينبه من تداعيات التّحول إلى "الريعية"  قرار مجلس الأمن وفتح أبواب "البيت الأبيض".. تحول استراتيجي في الدبلوماسية السورية  كيف حول الرئيس الشرع رؤية واشنطن من فرض العقوبات إلى المطالبة برفعها؟ ٥ آلاف ميغا واط كهرباء تعزز الإنتاج وتحفز النمو  المعرض الدولي لقطع غيار السيارات.. رسالة نحو المنافسة باستخدام أحدث التقنيات   "صحة وضحكة" .. مبادرة توعوية لتعزيز النظافة الشخصية عند الأطفال من رماد الصراع إلى أفق المناخ.. فلسفة العودة السورية للمحافل الدولية  إنجاز دبلوماسي جديد لسوريا في مجلس الأمن