الملحق الثقافي:
رّبما لا يعرف الكثيرون أنّ حملة التعريب التي بدأت في الوطن العربيّ , من أجل استعادة ألق ورونق اللغة العربيّة , بعد أربعة قرون من الاحتلال العثمانيّ , ومحاولات التتريك , بدأت في سورية , ومنها إلى أقطار الوطن العربيّ كافة وأّن ّسورية, أول دولة عربيّة تعرّب التعليم الطبي , وقد نجحت التجربة نجاحا باهراً , وهي التي أنشأت أول مجمع للغة العربية و أقدم مجلة تعنى بالشأن اللغويّ , أعني مجلة مجمع اللغة العربّية =, الذي كان يحمل اسم (المجمع العلمي ) وفي عام 1919م مرّت الذكرى المئة لتأسيس المجمع , وعام 2018م الذكرى المئويّة لبداية الّتعريب .
واليوم يمكن للمرء أن يقول بكل ثقة : سورية بوابة اللغة العربيّة , وكنزها وحارسها الأمين , ونبضها في الإبداع واّلتطوير والّتحديث , وهي همّ معرفي وثقافيّ وفكريّ لمؤسسات الدولة السوريّة كافة , لم تبخل عليها يوماً ما , بأي ّجهد أو دعم لازم .
وقد نالت الكثير من الاهتمام في فكر القائد المؤسس حافظ الأسد , وهو الذي قال فيها الكثير , ومما قاله في رسالته إلى جماهير المعلمين يوم 13 3- 1988م :
(لغتنا العربيّة , هي عنوان هويتنا , وهي الرّابطة بين النّاطقين بالضّاد, وهي أهمّ صلات الماضي بالحاضر , والمستقبل , بها نعبّر عن ذاتنا , وننشر في الوطن والعالم نتاج الفكر العربي , وننقل إلى أبناء الأمّة العربيّة النتاج الفكري للشعوب الأخرى.
لستم جميعا مختصين بتدريس اللغة العربيّة مادة من مواد المنهاج الدّراسي , ولكنكم جميعا مسؤولون عن الحفاظ عليها , وعلى قواعدها , فلا عجمة ولا ركاكة , بل تركيب سليم وفصاحة , مما اشتهرت به أمّة العرب )
اللغة في فكر السيد الرئيس بشّار الأسد
وفي مسيرة التّطوير والتّحديث التي يقودها السيد الرئيس بشّار الأسد , تحتلّ اللغة العربيّة موقع الصّدارة , وقد توقف عند أهميتها أكثر من مرّة , ودعا المعنيين بها إلى بذل المزيد من العناية والاهتمام , والعمل على صونها وتطوير أساليب تعليمها , وربط القول بالعمل , إذا تمّ الإعلان عن تاسيس لجنة التمكين للغة العربيّة , وهي لجنة عليا , وغير ذلك كثير, وكان السيد الرئيس بشّار الأسد قد وجّه في خطاب القسم الذي ألقاه عام 2007م إلى ضرورة الاهتمام باللغة العربيّة والعمل على حمايتها , يقول سيادته :
(ويجب إيلاء اللغة العربيّة.. وهذا الموضوع هام جدّا, وأوّل مرّة أتحدث عنه.. التي ترتبط بتاريخنا وثقافتنا, وهويتنا كلّ اهتمامنا ورعايتنا.. بدأت بهذا الموضوع, وضعته في خطاب القسم لأنّ هناك تراجعاً بالنسبة للغة العربيّة المرتبطة بالهويّة العربية. ويجب إيلاء اللغة العربيّة التي ترتبط بتاريخنا وثقافتنا وهويتنا كلّ اهتمامنا ورعايتنا.. كي تعيش معنا في مناهجنا, وإعلامنا وتعليمنا, كائناً حيّاً ينمو ويتطّور ويزدهر.. ويكون في المكانة التي يستحقّها جوهرا لانتمائنا القوميّ. وكي تكون قادرة على الاندماج في سياق التّطور العلميّ والمعرفيّ, في عصر العولمة والمعلومات.. ولتصبح أداة من أدوات التّحديث ودرعاً متيناً في مواجهة محاولات التغريب والتشويش التي تتعرض لها ثقافتنا.
لقد أعطينا في سورية اللغة العربيّة كلّ الاهتمام.. وتبوأت موقعاً رفيعاً في حياتنا الثقافية, منذ وقت مبكّر.. ومطلوب منا اليوم استكمال جهودنا للنهوض بها.. ولاسّيما في هذه المرحلة التي يتعرّض فيها وجودنا القوميّ لمحاولات طمس هويته ومكوناته.. والذي يشكّل التمسك باللغة العربيّة عنواناً للتمسك بهذا الوجود ذاته.
ويجب أن نتذكر أنّ دعمنا لتعلم اللغات الأجنبيّة للوفاء بمتطلبات التعلم والتواصل الحضاريّ مع الآخرين ,ليس بديلا ًعن اللغة العربيّة, بل محفزاً إضافيّاً لتمكينها والارتقاء بها.
وهنا يحصل الخلط.. أيّ أنا مهتمّ جدّاً بتطوير نفسي في اللغات الأجنبيّة, وأتحدّث بعض اللغات بطلاقة, ولا يوجد لدي مشكلة.. ومتحمّس لهذا الشيء.. ولكن بنفس الوقت أنا حريصٌ على اللغة العربيّة. أوّل سؤال أسأله بعد أيّ خطاب ما هو عدد الأخطاء اللغويّة التي قمت بها, قبل أن أسال عن مضمون الخطاب؟.
علينا أن نركّز بشكلٍ مستمرٍ على هذا الموضوع.
في كلّ خطاب ننسى الكثير من الأفكار, ولكن لا أحزن. ولكن إذا عرفت بعدد من الأخطاء اللغويّة وهي دائماً موجودة، فمع كلّ خطأ أشعر بالخجل، وأنا كلّفت نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافيّة الدكتورة نجاح العطّار بهذا الموضوع منذ أشهر قليلة.. وبدأت بعقد الاجتماعات مع الفعاليات المختلفة في الحكومة وخارج إطار الحكومة.. لوضع إطار عام.. لأنّ الملاحظ تماماً من خلال الأنترنت والفضائيات وكلّ هذه الأمور.. بدأنا نتأثر.. ومع الوقت اللغة العربيّة ستصبح أضعف.. وعندما تضعف اللغة العربيّة من الّسهل أن يضعف أي ّارتباط آخر لنا, سواء بالنسبة للوطن.. بالنسبة للقوميّة.. أم بالنسبة للدين..
في قمة دمشق عام 2008م
ربط اللغة العربيّة بمجتمع المعرفة
على الرغم من ثقل الواقع السياسي عام 2008م لم تكن اللغة العربيّة خارج اهتمام الّسيد الرئيس بشّار الاسد, وفي القمّة التي عقدت في دمشق حينها, دعا السيد الرئيس بشّار الأسد إلى وضع استراتجية شاملة للنهوض بالثقافة واللغة العربيّة :
(أمّا في الجانب الثقافيّ والتربويّ, فأمامنا الكثير من العمل في ظلّ هجمة خارجيّة ثقافّية خطيرة تؤثر على انتماء الأجيال الناشئة لثقافتهم القومّية الأمّ.
والمنطلق لأيّ إنجاز في هذا المجال هو العمل على تمتين اللغة العربيّة على المستوى القوميّ باعتبارها الحامل الرئيسيّ لثقافتنا وانتمائنا وذاكرتنا.. وفقدانها يعني فقدان التاريخ.. وبالتالي فقدان المستقبل.
وأمام القمّة مشروع لربط اللغة العربيّة بمجتمع المعرفة, كي تكون لغتنا لغة للثقافة والحياة تحفظ كياننا وتصون هويتنا الحضاريّة.
ويجب أن نمضي في عملية الإصلاح الداخليّ الذي يلبي متطلباتنا الوطنية والتنموية وينسجم مع معطياتنا الثقافيّة وألاّ نتهاون في رفض أيّ شكل من أشكال التدخل في شؤوننا.. مهما اتخذ من عناوين ومهما توسل من أساليب واعتمد من أدوات.
فتجارب الأمس واليوم دللت كم كان مكلفاً فرض التغيير من الخارج وكم كان مكلفاً فرض نماذج سياسية أو اقتصادية مسبقة على الدول النامية.
أصحاب السيادة والسمو.. صحيح أن مدة القمة العربية تحسب بالأيام والساعات القليلة ولكّنها محطّة مهمة نضيف فيها لبنات إلى البناء الذي ننشده.. وصحيح أنّ العبرة ليست فيما نقوله في القمم بل فيما نفعله فيما بينها.. ولكنّ القمة أساسية في تحديد الاتجاه الصحيح والسرعة الضرورية لكل ما سنقوم به لاحقاً.. وصحيح أيضاً أننا في القول وفي الفعل منفتحون على التعاون مع الآخرين في هذا العالم.. ولكن الأكثر صحة أنّ هذا التعاون يثمر فقط عندما نعتمد على أنفسنا.. فالقواسم المشتركة التي تجمع بيننا كعرب كثيرة وأساسيّة أمّا نقاط الاختلاف فعندما يجمعها إطار الحرص على أمتنا فلا بد للبناء المتين في مشروعنا العربي الذي نسعى لتحقيقه أن يكتمل.
هنا نشير إلى أنّ اهتمام السيد الرئيس بشّار الأسد باللغة العربيّة , والدعوة إلى العمل الفوري من أجل ذلك , لاقت صدى كبيراً ومهماً لدى الكتاب والباحثين, وممن تسميهم الدكتورة نجاح العطّار حراس اللغة العربيّة الخطاب والدعوة) للنهوض بها .
واليوم إذ نستعيد هذه المواقف , فإنما من أجل التذكير أن العمل يجب أن يبقى مستمراً , فاللغة كائن حيّ ينمو ويترعرع بالرعاية والاهتمام ..
التاريخ: الثلاثاء2-3-2021
رقم العدد :1035