تشهد الأفران، ومثالنا من دمشق، ازدحاماً هائلاً وغير مسبوق على الخبز بالسعر الحكومي الربطة بمئة ليرة سورية وهي تحتوي على سبعة أرغفة كبيرة.
سألت مرجعاً موثوقاً وموضوعياً وقلبه على الناس والوطن: ما سبب هذا الازدحام على الخبز، لقد وعدت الحكومة أنه سيتلاشى خلال أيّام قليلة، وما من شك أن استمراره، بعد مرور تلك الأيام القليلة، يسيء للمصداقية، وأضفت: قرأت أن شحنات كبيرة من القمح والطحين قد جرى تفريغها ونقلها إلى الداخل السوري.. وأمس صرح السفير السوري في موسكو أن عمليات شحن القمح الروسي إلى سورية مستمرة، فما القصة ولماذا هذا الازدحام على الخبز..؟
فوجئت بالجواب: الطحين متوفر في كل الأفران، على امتداد الأرض السورية وسبب الازدحام مبهم إذ لا مبرر لهذا الازدحام..
وها هو مجلس الوزراء في جلسة يوم أمس، يطلب من الجهات المعنية العمل على تخفيف الازدحام على الأفران ومحطات الوقود، وتخفيف الازدحام على صالات السورية للتجارة وتحسن الخدمات المقدمة للمواطنين.
لقد تحول الخبز إلى هاجس، فمشهد الازدحام الشديد يغري بالركض بحثاً عن ربطة، خوفاً من أن لا تكون متاحة، هذا الازدحام، يوحي وكأن -المادة- غير موجودة أو أن وجودها في خطر، ولهذا بات عادياً أن ترى أغلب الناس يتأبطون ربطة أو أكثر وهم في طريق عودتهم إلى بيوتهم، وأن ترى ربطات الخبز مكدسة في ميكروباصات مبيت الموظفين، ويفاقم ذلك كله أن ربطة الخبز ذات المذاق الممتاز والمألوف التي تباع بمئة ليرة أصبحت، مهنة من لا مهنة له، يتهافت للحصول عليها كثر لبيعها على الرصيف بـ ٧٥٠ ليرة على الأقل، سعر يحقق ربحاً مجزياً، وهو سرقة من أموال الدولة، التي تتكلف ٦٠٠ ليرة ثمن الربطة، وتبيعها للناس بمئة ليرة رأفة برواتبهم الضئيلة، وهو أي هذا الربح غير المشروع لعدد كبير من الباحثين عن دخل بلا تعب وأسوة بالتسول، سرقة لجيوب المواطنين غير القادرين جسدياً ونفسياً، على احتمال الوقوف ساعات في البرد، والتدافع والمشاحنات حول الوقوف بالدور.
يَصْب الزيت على نار الازدحام أولئك الذين يتفننون في تشخيص حال البلد مع الغلاء وارتفاع الأسعار والازدحام، دون البحث، عن مساعدة ولو بسيطة عن شمعة تضيء، وهذا هو اللامعقول.
ما من دولة في العالم تقوى على تلبية طلب مضاعف عدة مرات ودفعة واحدة وفِي يوم واحد وكل يوم على سلعة واحدة كالخبز مثلاً أو البنزين وجزء كبير من هذا الطلب، يذهب للبيع في السوق السوداء.
من الواضح ان ظروفنا الموضوعية صعبة جداً، ولا نستطيع أن نتخلص منها بالصراخ والشكوى وتسفيه الأداء الإداري.. كلنا نريده أفضل، ولكن كيف…؟ كلنا نريد موظفين مبادرين ومتفانين، في بلد لا يزال يحارب الاٍرهاب الشرس الذي لا يرحم.
لعلنا إلى جانب حاجتنا إلى خطاب مختلف على صعيد النخب التي تنشط على وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الإكترونية وأغلب الإذاعات الخاصة، نحتاج إلى بحث سريع عن دور البطاقة الالكترونية في قصة الخبز الراهنة، هل زادت الطلب الوهمي إذ هناك من يستغنون عنها للنواطير والحجاب، وهناك مسافرون تركوها لمن سيسترزقون منها، هذه البطاقة، جعلت الجميع يأخذون كامل مستحقاتهم اليومية، وهنا السر.
قبل البطاقة كان المواطن يشتري احتياجاته، الآن يشتري مستحقاته، وكثر لا يستهلكون في بيوتهم هذه المستحقات، بل يبيعونها في السوق السوداء فالازدحام الهائل، يجعلها رائجة.
ليست دعوة الى إلغاء البطاقة، بل إلى التأكد من حسن استخدامها، لقد نجحت نجاحاً باهراً على صعيد توزيع أسطوانات الغاز، استفيدوا من هذا النجاح في توزيع الخبز والبنزين والمازوت.. لعل ذلك سيخفف كثيراً الازدحام الفوضوي المقيت، وسيقلص عدد من لديهم ظروفهم الخاصة التي لا تساعدهم على التعامل مع رسائل البطاقات الالكترونية، وسيصبح تدبير أمورهم سهلاً بصفتهم محدودي العدد.
أروقة محلية – ميشيل خياط