الثورة أون لاين- ناصر منذر
وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن يقر بأن سياسة بلاده القائمة على “الإطاحة بالأنظمة” بالقوة فشلت، وزعم أن إدارة بايدن ستسعى لتغيير المسارات التي اتبعت سابقاً للتشجيع على “الديمقراطية” من التدخلات العسكرية المكلفة، إلى إجراء حوارات دبلوماسية، معتبراً أن التدخلات السابقة شوهت سمعة الديمقراطية الأميركية، وواضح من كلام بلينكن أنه يأتي في إطار محاولات الإدارة الجديدة لتلميع صورة الولايات المتحدة الملطخة بدماء الكثير من شعوب العالم، ولكنه يحتاج في الوقت ذاته لاتخاذ أفعال جدية وملموسة على الأرض لإثبات مصداقية هذه الإدارة في العمل على تصحيح أخطاء السياسات الأميركية السابقة، وهو أمر بعيد المنال من التحقق، لعدم توافر النية والإرادة السياسية لنظام متغطرس يضع مسألة الهيمنة على العالم على رأس أجنداته.
سياسة الكذب والتضليل، كانت الغالبة على كلام بلينكن، هو زعم بأن نهج الدبلوماسية أولوية، وقال إن الأميركيين قلقون من التدخلات العسكرية في الخارج، فماذا تفعل القوات الأميركية المحتلة في سورية إذاً؟، ولماذا تعمد إدارته الحالية على تكريس وجودها الاحتلالي؟، ولماذا لم تتوقف عن سياسة النهب والسرقة لثروات السوريين؟، ولماذا تصر على مواصلة حصارهم ومحاربتهم بلقمة عيشهم؟، ولماذا تريد إحياء “داعش”، وتواصل دعم مرتزقتها الإرهابيين وحمايتهم؟، وماذا عن عدوانها الغاشم الأخير، ألا تقتضي الديمقراطية المزعومة التي تحدث عنها، بضرورة احترام رغبة الشعب الأميركي على أقل تقدير؟، الأمر الذي يلزم إدارته بالإسراع في سحب قوات بلاده الغازية، وماذا أيضاً عن التلويح المستمر باستخدام القوة العسكرية ضد الكثير من الدول المناهضة لسياسات الهيمنة الأميركية؟، ألا يدل كل ذلك على أن كلام بلينكن فاقد للمصداقية؟.
المفارقة الهزلية في خطاب بلينكن تأكيده على تغيير مسارات التدخل في شؤون الدول الأخرى تحت مزاعم نشر الديمقراطية، وليس الكف عنها، ما يعني أن هذا التدخل السافر سيأخذ أشكالاً وعناوين أخرى، من أجل مداراة الفشل ومحاولة تعويضه، وليس بهدف تصحيح الأخطاء السابقة، وهنا لم يوضح بلينكن من أعطى لبلاده الحق بأن تكون وصياً على الشعوب، وتتدخل في كل شاردة وواردة في شؤون دولها، أو تسعى لتغيير حكوماتها بأساليب مختلفة، ألا يعد ذلك خروجاً كاملاً عن أحكام الميثاق الدولي؟، ومن قال له إن ديمقراطية بلاده المزعومة هي النموذج الأمثل الذي ترغب تلك الشعوب في الاقتداء به؟، ولاسيما أن مشاهد غزوة “الكابيتول” ستبقى محفورة بأذهان الكثيرين، والأهم أن العالم بأجمعه بات يدرك حقيقة التعاطي الأميركي مع الدول الأخرى، فهو لا ينطلق أبداً من مبدأ مراعاة هذا البلد أو ذاك لمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإنما على أساس الموقف الذي يتخذه تجاه السياسة الأميركية، فالكثير من الدول تمعن بانتهاك حقوق الإنسان وتغض واشنطن الطرف عنها لأنها حليفة لها، بينما الدول الرافضة لنهج الهيمنة الأميركية، والمتمسكة بسيادتها وقرارها الحر، هي المستهدفة دائماً بالإرهاب الأميركي تحت ذرائع الحرية والديمقراطية.
نزعة الهيمنة والتسلط هي نهج ثابت تسير عليه كل الإدارات الأميركية المتعاقبة، وشعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وأضيف إليها مؤخراً “مكافحة الإرهاب”، كلها ذرائع قديمة متجددة تتخذها الولايات المتحدة غطاء للتدخل في شؤون الدول الأخرى، وشن الحروب العسكرية لنهب ثروات الشعوب، وإدارة بايدن لن تشذ عن هذا النهج العدواني، ولن تستطيع أيضاً تلميع الصورة الأميركية الغارقة في السواد، ولا شك بأن سلوكها وتصرفاتها العدائية ستزيدها قبحاً.