شهدت سورية في ثمانينات القرن الماضي، ما هو شبيه بهذه الحرب العدوانية التي تجري ضدنا الآن، لكنها لم تكن بهذا الشكل واللون، إنما تجلى ذلك بالحصار والعقوبات التي بدأت ولما تنته بعد، وترك الحصار الجائر آثاره التي مازالت في الذاكرة تماماً.
تبحث عما تريد فلا تجده، كل شيء بالقطارة، على غير حالنا اليوم، كل شيء موجود إلا أنك لا تملك الثمن، أمام ذاك الحصار الجائر، كانت الحلول التي ابتكرت ودلت على عبقرية القائد المؤسس، العمل والاعتماد على النفس، نأكل مما نزرع، ونلبس مما ننسج، غدت سورية ورشة عمل حقيقية، على الرغم من شح الموارد وقلتها، لكن كل شيء كان يمضي قدماً نحو ترسيخ دولة الإنتاج والاكتفاء الذاتي، ومن باب التوازن الاستراتيجي الذي طرحه القائد المؤسس حافظ الأسد، والذي يعني أن كل حبة قمح، وكل شجرة زيتون، وكل معمل ومدرسة، هي مداميك في هذا التوازن، والتوازن ليس دبابة مقابل دبابة، وسلاحاً مقابل سلاح.
التوازن القدرة على البناء والفعل، هذا النمو والعمل كان لابد له من إعلام يتابعه، يرصد وينقل ما يجري، وفي مدارات العمل أي عمل ثمة هفوات وثغرات وثمة فساد يقع، وتحت قبة مجلس الشعب كانت جلسات طرح الثقة ببعض الوزراء عام 1987م، وتمت إقالة الحكومة حينها.
كان الإعلام رافعة هذا الحراك، رصد وحلل وناقش ووثق، وأدى دوره الريادي والحقيقي، لم يكن متابعاً وكفى، بل صاحب فعل ومبادرة، وقدرة على الإشارة إلى مكمن الخلل والحديث عنه بصوت عال وواثق النبرة، وثمة من يستجيب..
أخذ الإعلام دوره الريادي، وثمة من تنبه فيما بعد إلى أن رقيباً يتابع ويحلل، يعرف كيف ومتى يجب أن يقول كلمته، ولأن طباخ السم كما يقال (يذوقه) كانت أيدي الفساد تعمل، ولكن لابد من إسكات الصوت الرقيب الذي فضح وعرى وكشف، وكانت النتيجة إقالة حكومة..
ومن باب أن كل شيء قانوني، ابتكرت أدوات التدجين، نجحت مع البعض، أخفقت مع آخرين كثيرين، لم تصل إلى أن تكون ظاهرة تؤرق، لكنها شكلت مشهداً نشازاً يراه الجميع، هذا يعمل مدير مكتب صحفي بموقع ما، له الغنائم، يوزع ما شاء، وكيفما شاء لمن يضع نفسه في خدمة الجهة التي تعرف كيف ومتى تصرف المكافآت، وتحت أي بند، تعرف كيف يكون الأمر قانونياً لا غبار عليه.
ولكنه فساد بفساد، كيف لأحد أن يحاسب من يتشدق بما يمتلكه من فلل وبيوت، كلها حصل عليها، حسب القانون الذي أتاح له أن يتسلل من خلال ثغرات كثيرة ؟.
ما الذي يجعل هذا المسؤول أو ذاك حينها يغدق على مدير مكتبه الإعلامي الذي بدوره يفعل الأمر نفسه، لولا أن ستراً من التغطية الإعلامية الموجهة يجب أن تكون جاهزة تتدخل بكل لحظة؟
غدا المشهد مألوفاً أن تجد إعلامياً سجله الوظيفي في مؤسسته الإعلامية، وعقله بمؤسسة خدمية أو إنتاجية، تجد إعلامياً يستطيع أن يبدل كل عام سيارته، وآخر لايجد حتى دراجة هوائية، سقط في العسل الأسود كثيرون، وتركوا بثوراً وندوباً واضحة، ومازال الأمر عند بعضهم، صحيح أنه مقلق ومثير للسؤال: إلى متى، لكنه مكشوف ومرصود، وهذا واقع موجود في كل الإعلام العالمي، ولسنا خارج هذا الكوكب الذي نخره الفساد، مرحلة تدجين لم تستطع أن تحفر مجرى لها، لكن عقابيلها لم تصل إلى مرحلة تفقيس (إعلاميين) وغدا من لا عمل له يقدم نفسه إعلامياً…
معاً على الطريق- ديب علي حسن