الملحق الثقافي:د.عبد الله عيسى *
مبتلَّةٌ أنفاسُها تحت الوسادةِ، في منافيكَ
مُذْ علّمتكَ حكمةَ الحصى في مجرى النهرِ القديم.
ذاكَ الذي كُنتَ أنتَ:
تختلي بالماءِ حتى تتفقّد وجهكَ
لستَ جميلاً كما تشتهي بنتُ جارتنا التي رمّلتها الحروبُ مرّتين،
ولم تبتسمْ لي في مرايايَ
حتى رأيتُ صورتي تشبهني، بين الدوائر،
حول الكواكبِ التي ظلَّت تتبعني طويلاً حتى سقطتْ من سطح البحيرة .
لا تشتكي إلا لعاشقها.. دمشق
أكتفي من سِيَرِ الفاتحين، بما أفسدتْ مناخيرُ خيولهم من هواءٍ عثروا عليه خارج السورِ القديم.
ومما روى العابرون، بما رطنوا من أوصافيَ الأولى، على حجرِ الرؤيا في مغارة الدم.
لكنني لا أصدِّقُ يا أخي، أن قاتلي أخي.
تقول لي،
فيسقط في ريشِ القطا زجاج المرايا التي بردتْ في الممراتِ، بعد أن غادرها ساكنوها،
وتجفّ يدُ العاشق، وباقة الورد في يدهِ، تحت شرفةٍ لمْ تعد تُطلُّ على الحديقةِ بعدما هدموا البيت.
القادمون بأسلحةٍ وألسنةٍ عمياء
الرجالُ الجوفُ تاركين غبار الحربِ يسندُ لحاهم
وهم يتخيلون ذكورتهم في أسرّةِ راهباتِ الديرِ.
تقول لي، دمشقُ
وتقرأ شيئاً من مزايا الدفلى على الرواة وطرّاق الأخبار.
قد يرمي هدهدٌ قشّةً في فناءِ البيتِ
لكنها لا تطمرَ البئر ،
ولن تحمي ذاكرة القراصنةِ المنهكين من السبي، من أن يغرقوا في كوابيسهم في الحانات.
وقد يأذنُ الموتى لحفّاري القبور الغرباءِ، أن يرووا سيرتهم لعقاربِ الساعات التي سرقوها من معاصمهم قبل الصلب،
لكنهم لن يغفروا لهم.
وتقول، دمشق.. شيئاً
عن نساءِ باب توما اللواتي اقتفى عشاقهنّ ظلالهنّ إلى صلاة الأحدْ،
وعن رقصةِ المولوية في حي النافورة الصوفيّ. ذاك الذي كنت، حول رأس النبيّ يحيى
فيتبعه حمام المسجد الأموي
وأشجار الجوزِ في مخيلاتِ فلاحي الغوطتين،
وطالبات كلية الآداب المفتوناتِ بأن يكون الشِعرُ أسمر
شبيهاً بروائح خبز “الصاج” بين أيدي الأمهاتِ في المخيم،
ولا تقولُ، دمشق، لنَذْكُرَ
كلّنا أبناؤكِ العصاة
يا أمنّا كلّنا
لماذا تركناكِ وحدكِ
تحرسينَ ظلالنا حتى نعود؟!!.
*شاعر وأكاديمي فلسطيني
التاريخ: الثلاثاء9-3-2021
رقم العدد :1036