الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
ما إن دخل جو بايدن إلى البيت الأبيض حتى سارع إلى العمل على إعادة ترتيب المكتب البيضاوي، ذلك لكونه الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، وبالتالي يقع على عاتقه اتخاذ تدابير عاجلة لتجميل الصورة المعهودة للبيت الأبيض، ولكن يبدو أن ما اتخذه من إجراءات عندما عمد إلى “قصف” سورية في 25 شباط لم يقابل بردود أفعال سلبية من دول عديدة في العالم فحسب، بل اقترن بردود أفعال داخل الولايات المتحدة نفسها، حيث أعرب أعضاء مجلس الشيوخ في كلا الحزبين الأميركيين عن امتعاضهم من قرار بايدن شن “ضربات جوية” على سورية وعارضوا ذلك الإجراء علناً.
وفي ضوء هذا الواقع، اقترح عدد من أعضاء الإدارة الأميركية الجديدة إطلاق بيانات عامة هدفها تحسين صورة أميركا و”إظهارها بمظهر الدولة المحترمة والمحبة للسلام”، لذلك أعلنت واشنطن على الفور في مطلع شهر آذار عن عدد من الأحكام الانتقالية ترتبط باستراتيجية الأمن القومي، إلى جانب تسليط الضوء على فكرة تقول بأن أميركا لا ترغب بالاشتراك في حروب لا نهاية لها وبأنها “لن تعمد إلى الانخراط في حروب أبدية تكبدها آلاف الأرواح وترليونات الدولارات، بل ستعمل بمسؤولية وحرص على إنهاء أطول حرب شنتها في أفغانستان”.
في الوقت ذاته، جرى التصريح عن نوايا تتعلق بإجراء حوار بين واشنطن وموسكو وبكين بشأن التكنولوجيا العسكرية الجديدة، ووفقاً للوثيقة المعلنة، فإن الولايات المتحدة منفتحة على اتفاقيات جديدة للحد من انتشار السلاح، إلا أنه يبدو بأن لدى الجانب الأميركي رغبة في بسط سيطرته مرة أخرى على هذا المجال.
اللافت في الأمر، أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أعلن في تصريح ألقاه حول أولويات السياسة الخارجية الاستراتيجية لواشنطن يوم 3 آذار بأن الإدارة الأميركية الجديدة لا تعتزم فرض الديمقراطية في الدول الأخرى عبر التدخلات العسكرية واستبدال الأنظمة الاستبدادية.
وفي مختلف الأحوال، يمكن للعين المجردة رؤية خداع إدارة بايدن، ذلك لأن نهج السياسة العالمية الذي يتبعه أعضاء فريق بايدن تشكّل في مدرسة التدخل الليبرالي التي تدعو لتصدير الديمقراطية وفقاً للطريقة الأميركية إلى “الدول غير المرغوب بها” في واشنطن. والجدير بالذكر أن الرئيس الرابع والأربعين باراك أوباما (الذي ينتمي بايدن لفريقه) رأى بأن الضرورة تدعو لتغيير تلك الأنظمة التي تهدد الولايات المتحدة حتى من خلال وجودها السياسي وتوظيف جميع الوسائل لاستبدالها بغية تنصيب أنظمة جديدة تنسجم مع تطلعات الولايات المتحدة وشركائها الغربيين، وقد بدا تمسك بايدن بذلك النهج من خلال “قصف” سورية في أواخر شباط.
أما بالنسبة لتصريح البيت الأبيض المتعلق باستراتيجية الأمن القومي الأميركي، فإنه يزعم بالرغبة في إقامة حوار بناء مع روسيا والصين بشأن التكنولوجيا العسكرية الجديدة، بما في ذلك الاستقرار الاستراتيجي، وفي هذا السياق، أرى أن تلك الرغبة تنطوي على خداع صارخ وتشويه للحقائق، ويكفي التذكير بأن تلك التصريحات تزامنت مع ما أعلنته الولايات المتحدة عن إدراج روسيا على قائمة الدول الممنوعة من تصدير تقنياتها الدفاعية وفرض قيود أخرى عليها، علاوة على ذلك، فرضت واشنطن حظراً مماثلاً على الصين أيضاً، لذلك نتساءل عن مدى إمكانية عقد حوار بين بكين وموسكو وواشنطن في ضوء الظروف القائمة؟.
وبالنظر إلى تلك الوقائع، فإنه من المناسب استذكار ما صرحت به سكرتيرة البيت الأبيض جين ساكي في 5 آذار عندما قالت: “إن الرئيس الأميركي جو بايدن يرى ضرورة تحديث سياسة استخدام القوة العسكرية الأميركية في الخارج”. فهل هذا يعني أن الإدارة الجديدة تخلت عن العمليات العسكرية، أم أنها تسعى إلى تحديث أساليبها؟!.
نستذكر في هذا السياق ما نهجه ريتشارد نيكسون الذي ادعى في تصريحاته إبان حملته الانتخابية وفي الأسابيع الأولى من توليه مقاليد السلطة أنه ينوي إرساء قواعد النظام في البلاد، وإنهاء حرب فيتنام المستعرة منذ 12 عاماً، وعند تسلمه دفة القيادة في أواخر شهر كانون الثاني، بدأ بسحب وحدات الجيش الأميركي الأولى من فيتنام في شهر آذار، ورغم تلك الإجراءات لم تضع الحرب أوزارها، بل إن كل ما تغير هو الأساليب المتبعة، إذ كثفت الولايات المتحدة قصف فيتنام الشمالية، وأرسلت واشنطن مدربيها إلى المنطقة لتدريب جيش فيتنام الجنوبية عوضاً عن الجيش الأميركي، وبذلك فهي لم تقم سوى “بتحديث استراتيجيتها”.
واستمرت تلك الحرب التي ترافقت مع تدريب جنود من جنوب فيتنام وإعدادهم للقتال، بالإضافة إلى ذلك، عمد نيكسون إلى قصف كمبوديا سراً لاعتقاده بوجود قواعد فيت كونغ، وأخفى الرئيس الأميركي الوضع الحقيقي عن شعبه، وقد وصفت التقارير الصحفية الرسمية للقوات الجوية الأميركية ما يجري بأنها “عمليات روتينية”، وبعد شهرين فقط، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً حول ما حدث في كمبوديا تبعه مقال للصحفي الأميركي سيمور هيرش الذي
كشف مذبحة ماي لاي التي ارتكبتها القوات الأميركية وعلمت جميع دول العالم بالمأساة التي تسببت بها شركة تشارلي في آذار 1968 ما أسفر عن مصرع خمسمئة ألف مدني.
ألا يبدو أن تلك الأحداث تتماثل مع ما يتخذه بايدن من إجراءات؟ فحتى الغارات الجوية التي شنتها الإدارة الجديدة على سورية بذريعة وجود قواعد تناهض الوجود الأميركي في العراق تشابه ما فعله نيكسون في كمبوديا، فهل ثمة احتمال بتكرار مأساة ماي لاي خلف الابتسامات الخبيثة والمزيفة التي تبدو على وجه بايدن، وفي تصريحات وزير خارجيته الذي يحاول جاهداً إخفاء النوايا الحقيقية للإدارة الجديدة؟.
المصدر The Eastern Outlook