الثورة أون لاين- راغب العطية:
عندما نتحدث عن حرب إرهابية على سورية، فهذا كلام لم يأت من فراغ، بل هو من صميم الحقيقة والمعاناة التي مازال يعيشها السوريون منذ منتصف آذار 2011 إلى يومنا هذا، وقد تم إثبات التورط الغربي والإقليمي بالأدلة والقرائن، ناهيك عن الاعترافات التي أدلى بها العديد من المسؤولين العرب والغربيين ممن كان لهم دور بارز في تسعير نار الإرهاب في سورية.
فمنذ البداية لم تكن هذه الحرب الإرهابية القذرة إلا حرباً صهيونية أميركية بامتياز، وإن كانت أدواتها والفاعلون فيها من أبناء جلدتنا العرب ومن تربطنا معهم علاقة جوار كنظام أردوغان في تركيا، والذين طعنوا سورية في ظهرها، بل أكثر من ذلك فقد راحوا يجلبون لها كل مرتزقة الأرض وإرهابييها وقتلتها ليدمروها ويذبحوا أهلها بالسواطير والمفخخات، تاركين فلسطين المحتلة التي يتشدقون بنصرتها وبقضيتها لمصيرها المجهول والمحاصر من قبل الكيان الصهيوني والإدارات الأميركية المتعاقبة.
وكان للانخراط الأميركي المباشر في العدوان على سورية المحرك الأساسي للإرهاب التكفيري، والمشجع والدافع لمنظومة العدوان للتورط أكثر فأكثر في سفك دماء السوريين وتهجيرهم وتشريدهم في كل الاتجاهات، فالأوروبيون صدروا إلينا عتاة القتلة والمجرمين ليكونوا متزعمين لخلايا تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين، وليتفننوا أمام الكاميرات في جز رؤوس الأبرياء، ونشرها وبثها عبر الفضاء العالمي الواسع كي يجلبوا إليهم أمثالهم في الفكر والسلوك.
أما نظام أردوغان فقد فتح حدود بلاده لعبور هؤلاء الإرهابيين واحتضنهم وفتح لهم المقرات والمعسكرات، موفراً لهم جميع أنواع السلاح بما فيه “الكيماوي” والتسهيلات في الإقامة والطبابة، والمال والأسواق لبيع النفط السوري المسروق وكل ثروات السوريين التي سرقها الإرهابيون المرتبطون بهذا النظام من معامل حلب إلى صوامع الحبوب والمحاصيل الزراعية وحتى الذهب وحلي السوريات.
ويماثله في هذا الدعم الكيان الصهيوني الذي قدم السلاح والمال والدعم اللوجستي لإرهابيي داعش والنصرة والخوذ البيضاء، وفتح مستشفياته في فلسطين المحتلة لتكون مقرات علاج ونقاهة لكل الإرهابيين المصابين بنيران الجيش العربي السوري في كل المنطقة الجنوبية، بينما أنظمة الغدر والخيانة وخاصة مشيخة قطر والنظام السعودي، فقد صدرت لنا الفكر الوهابي والتكفيريين، وفتحت أبواب خزائنها لتمول تدمير سورية وقتل أبنائها وتهجيرهم خدمة للمشروع الإرهابي الصهيوني الأميركي.
وبما أنه لا يسعنا المقال هنا أن نحيط بكل التورط الغربي والصهيوني والتركي والعربي في الحرب الإرهابية المتواصلة على سورية، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإعلامياً، سنكتفي بالإضاءة على جزء يسير من الدور الذي مارسته الولايات المتحدة الأميركية كداعم أساسي ومحوري للتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها “داعش والنصرة”، حيث تجلى التورط الأميركي في بادئ الأمر من خلال حملة التضليل الظالمة التي قادتها الماكينة الإعلامية الأميركية والغربية ومعها الناطقة بالعربية، وما رافق هذه الحملة من تصريحات عدائية من جانب بعض مسؤولي البيت الأبيض وعلى رأسهم الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.
وتصاعد الإجرام الأميركي بحق سورية من خلال تزويد واشنطن لإرهابيي ما يسمى “الجيش الحر” بمساعدات تسليحية ولوجستية، كان لها الدور المحوري في قتل السوريين في مدارسهم وجامعاتهم ومستشفياتهم ومعاملهم، وفي دور العبادة وعلى قارعة الطريق، وتم تدمير الكثير من البنى التحتية التي تم بناؤها في البلاد خلال العقود الماضية، ورغم كل هذه الوحشية التي استهدفت الإنسان والإنسانية على حد سواء في سورية، كانت إدارة أوباما تسميها بالمساعدات “غير القاتلة”، فكيف لو كانت مساعدات قاتلة؟.
ومع مرور الزمن كانت الإدارة الأميركية ومن ورائها العديد من الحكومات الأوروبية والإقليمية، توغل أكثر فأكثر في سفك الدم السوري، تحت شعار “حماية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان”، فراحت وكالة المخابرات المركزية الأميركية “سي آي أيه” تضع البرامج الممولة من جيوب دافعي الضرائب الأميركيين، ومن خزائن أنظمة البترودولار الخليجية.
ومع الزمن أيضاً تكشفت خفايا التدخل الأميركي أمام الرأي العام العالمي والرأي العام الأميركي، من خلال تصريحات المسؤولين الأميركيين أنفسهم، أو بعض ما يتم تسريبه عبر وسائل الإعلام الأميركية، ومن الأمثلة على ذلك ما جاء على لسان جيمس جيفري المبعوث الأميركي السابق إلى سورية في وقت سابق العام الماضي، عندما ساق جملة أكاذيب عما سماه “الدعم الإنساني” الذي قدمته بلاده للشعب السوري والتي قدرها بمليارات الدولارات، والحقيقة هي أن هذه المليارات تم صرفها لقتل السوريين بيد التنظيمات الإرهابية، وتجويعهم من خلال العقوبات والحصار والإجراءات القسرية أحادية الجانب، وما يسمى “قانون قيصر” مثال على ذلك.
كما فضحت عشرات التقارير الإعلامية والاستخباراتية ومنها تقرير لمركز دراسة
الفساد والجريمة المنظمة وشبكة البلقان للتحقيقات الصحفية بالأرقام تمويل الإدارات الأميركية المتعاقبة للتنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها “داعش”.
وتقرير مركز دراسة الفساد والجريمة المنظمة أكد أن وزارة الحرب الأميركية أنفقت أكثر من ملياري دولار على شراء أسلحة لتزويد التنظيمات الإرهابية التي تطلق عليها تسمية “معارضة معتدلة”، فيما كشفت تقارير مماثله نشرتها وسائل إعلام متعددة خلال السنوات الماضية ونقلا عن مصادر أميركية ومنها بالكونغرس تأكيدها أن الأسلحة الأميركية دائماً تنتهي بيد التنظيمات الإرهابية كداعش والنصرة.
وكانت واشنطن قد بدأت بشراء الأسلحة بهدف تسليمها للإرهابيين منذ الأعوام الأولى للحرب الإرهابية على سورية، وبموجبها أنفق البنتاغون حتى أيار 2017 أكثر من 700 مليون دولار على شراء البنادق الآلية وقاذفات القنابل اليدوية المضادة للدبابات ومدافع الهاون والذخائر المتنوعة، وتؤكد العديد من التقارير أن عملية التسليح مستمرة حتى يومنا هذا، إذ سيتم إنفاق ما لا يقل عن 900 مليون دولار بحلول عام 2022 في هذا الخصوص، في حين تم تخصيص مبالغ إضافية تقدر بنحو 600 مليون دولار كانت احتسبت في الميزانية أو طالبت بها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
كما أظهرت الاعترافات التي أدلى بها مسؤولون أميركيون في أوقات سابقة، إضافة إلى ما كشفته وسائل الإعلام الأميركية على مدى السنوات الماضية أن جميع البرامج التي خصصتها واشنطن لتقديم الدعم لما تسميه “المعارضة” وجهتها الحقيقية كانت التنظيمات الإرهابية، كما حصل مع البرنامج الذي أطلقته المخابرات المركزية الأميركية في عهد أوباما عام 2013 وخصص له مئات الملايين من الدولارات وأوقف في عام 2017، بعد أن افتضحت تفاصيله إعلاميا وكشف أن جميع ما تم توريده عبره وصل إلى أيدي إرهابيي “جبهة النصرة” و”داعش”.
كما مولت الولايات المتحدة علنا بعشرات الملايين من الدولارات منظمة “الخوذ البيضاء” الإرهابية المرتبطة عضوياً بالتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها “جبهة النصرة” ودعمها له مشهود في التحضير والترويج لاستخدام أسلحة كيميائية ضد المدنيين كما حدث في الغوطة الشرقية بريف دمشق مرات عدة وفي مناطق بحلب لاتهام الجيش العربي السوري بذلك، ومازالت هذه الاستفزازات الكيميائية مستمرة إلى يومنا هذا، بحسب ما أعلنت عنه وزارة الدفاع الروسية مؤخراً.
ناهيك عن الدعم الذي قدمه ما يسمى “التحالف الأميركي” اللاشرعي الذي تقوده واشنطن بشكل مباشر لتنظيم داعش الإرهابي من خلال شنه للعديد من الاعتداءات ضد مواقع للجيش العربي السوري، لتمكين إرهابيي التنظيم من السيطرة عليها إلى جانب عمليات الإخلاء التي قامت بها الطائرات الأميركية لمتزعمي التنظيم الإرهابي من المعارك لإنقاذهم من الموت أو تزويدهم بالمعلومات الاستخبارية، إضافة لإقامة عدة قواعد عسكرية في الأراضي السورية بشكل مخالف للقانون الدولي، وهو ما يعد احتلالا وغزوا سيزول عاجلاً أم آجلاً.
كما لا يفوتنا ونحن نستعرض غيضا من فيض الإرهاب الأميركي المتواصل ضد سورية، أن نشير إلى الأضاليل السياسية الكبيرة جداً التي قدمتها ومازالت واشنطن في مجلس الأمن الدولي للتغطية على جرائم الإرهابيين في سورية.