الملحق الثقافي:أمين غانم:
بداية، ما الجميل؟!.
كلمةٌ أولى: هو الانسجام والتوافق بين الواقع والمثَل اﻷعلى، فإذا وافق الشيء صورته كان جميلاً، وإن تعارض معها كان قبيحاً.
هذا الانسجام لا يتعارض مع الحركة والتحوّل في الكون، بل قد يتجلَّى في أصغر الكائنات، وبالتالي يتحقَّق هذا الانسجام بين الإنسان والطبيعة، في علاقةٍ جمالية تجمعه مع مجتمعه ومثله الأعلى، فيما يسمَّى الوعي الجمالي، الجمعي والفردي.
فالوعي الجمالي الجمعي يبدأ من تصوراتٍ جمالية مشتركة عامة، تتجلَّى في تصوراتٍ جمعية تخلع النفعي والقيمة الانتفاعية للأشياء. – ملابس، مأوى، أدوات عامة- وهي التي تعدَّت الموضوع النفعي إلى الجمالي، فكان الجمال شكلاً من أشكال الحرية.
حرية تبديل هيئة اﻷشياء، مع بقاء مضمونها ووظيفتها ثابتين، فبقاء القدرة على خلق الجمال غير ثابتة، وبذلك استقل الجمال عن ضروب القيم اﻷخرى.
أما الوعي الجمالي الفردي، فيتَّصل فكرياً وانفعالياً بالنشاط الفردي عبر قناعاتٍ وآراء، تحدِّد وعي الشخصية وذائقتها، وقدرتها على الخلق والتلقِّي وإنجاز عملٍ ما جميل.
وإذا كان الجميل توافقاً بين الواقع والمثَل اﻷعلى، فالجليل يثير عاطفة التقدير العالي الممزوج بالعظمة. هو لا يثيرنا فحسب، بل يهزّنا، وهو الجميل ممزوجاً بقدسية وعظمة، فيكسب من خلالهما هولاً من عمقنا.
الجليل هو الإعجاب المتعاظم، كأبي الهول- مثالاً – يتعدَّى الخيال والتصوُّر، ويفجّر حدود التوافق بين الواقع والمثل اﻷعلى.
الجليل يفقد شيئاً من الطبيعي إلى مستوى اﻹبداع اﻹنساني، والبطولي والحرية السامية.
الجمال لا يتطلَّع إلى أيِّ هدفٍ مقبل، هو يستقرُّ عند الموضوع للاستمتاع باللحظة الحاضرة، وهو من خلال الاستغراق فيه، لا يعبأ بالمستقبل أبداً، لذلك التجربة الجمالية تبقى لا زمانية، تعيش في الحاضر مع أن للماضي دوراً في بلورة الوعي الجمالي عند الإنسان، لكنها لا تتَّجه أبداً نحو المستقبل.
لكن الجمال يأخذنا إلى نقطة لا زمانية، نقف عندها ونتأمَّل بلا قيودٍ أو حدود، فباﻹضافة إلى التوازن – مثلاً- في حركات راقصة الباليه، نكون موزعين بين انسجام حركاتها والموسيقا، فإننا نرى جمالاً حقيقياً في اقتصاد الطاقة في حركتها.. اقتصاد في الحركة، كأنها تقفز وتميل وتتوازن بلا أدنى طاقة أو جهد.
إذا كان الجمال هو الإحساس المستقل عن كلِّ نفعيٍّ ذرائعي، فإننا لا نعثر على أي معيار ﻷحكام الذوق، فليس هناك ذوق جيد وذوق رديء، لكن هناك معياراً عاماً، ﻷن اختلاف الذائقة يرجع إلى أحوالها الانفعالية المختلفة، والممارسات الاجتماعية والفردية المختلفة.
الوعي الجمالي، هو تحرر اﻹنساني من الضرورات النفعية المباشرة، واﻷخلاقية الضيقة، وهذا يخضع إلى التربية الجمالية في تهذيب علاقة الإنسان الجمالية بالطبيعة، البشر، اﻷعمال واﻵثار الفنية.
عبارة أخيرة، مع تصوُّر اﻹنسان فناء الكون افتراضياً، أقول: «سيفنى الكون ويبقى الجمال».
التاريخ: الثلاثاء23-3-2021
رقم العدد :1038