الملحق الثقافي:حبيب الإبراهيم :
لَعب الموقع الجيو – سياسي لسوريَّة، دوراً استراتيجياً مهماً في تاريخ المنطقة العربية قديماً وحاضراً، فسوريَّة هي الدولة الأكثر تأثيراً في صياغة المشهد العروبي، لأنها كانت دائماً في عينِ الحدث، فهي التي تقودُ السفينة وتتحكَّم بوجهتها حيث تشاء.
ونظراً لأهمية هذا الموقع، وللدورِ الريادي الذي تضطلع به على مدى التاريخ، أطلق الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر” عليها وعلى عاصمتها دمشق “قلب العروبة النابض”.
إذ لا روح قومية، ولا مواقف عروبية حقيقية، إلا من خلال سورية ومواقفها التاريخية والمبدئية من قضايا الأمَّة، فهي التي تشكِّل بوصلة التوجّه الوطني والقومي، لكل البلدان العربية.
هذا الموقع الاستراتيجي المهم، دفع قوى العدوان إلى محاولة فرض الهيمنة والاستعمار والاحتلال في المنطقة، ولأسبابٍ سياسية واقتصادية ووو.. معروفة للقاصي والداني، بدءاً من اتفاقية سايكس بيكو 1916 ومحاولة شرذمة وتمزيق المشرق العربي، مروراً بالاحتلال الفرنسي لسورية، ومعركة ميسلون 1920/7/24واستشهاد البطل “يوسف العظمة” ومجموعة من رفاقه، فقد شكَّل هذا الحدث، بداية انطلاقة المقاومة ضد المحتل بكلِّ أشكاله ومسمّياته، فسورية التي قاومت وكافحت وطردت المحتل الفرنسي في السابع عشر من نيسان 1946 بفضل تضحيات أبنائها ورجالاتها الأبطال، كتبت بحروفٍ من نورٍ، أنّ مقاومة المحتلّ في مقدمة الواجبات الوطنية، بل هي من أقدس الواجبات التي يتمسَّك بها السوريون، أبناء وأحفاد الشيخ “صالح العلي” و”إبراهيم هنانو” و”حسن الخراط” و”أحمد مريود” و”رمضان شلاش” و”حافظ الأسد”…
لقد تبنّت سورية عبر تاريخها الطويل، جبهة المقاومة ضد الاستعمار والاحتلال والهيمنة، إيماناً منها بأن الحقوق المغتصبة لا تعود إلاَّ بالقوة، بالكفاح، بالنضال، بالمقاومة، وبالإيمان المطلق بالحقوق، وهو السبيل الوحيد لدحرِ الغُزاة والمرتزقة، وقوى الشرِّ والعدوان، وهذا ما عملت على تكريسه في عقولِ الأجيال المتعاقبة، ثقافةً وفكراً، سلوكاً ونهجاً.
هذه الحقيقة، أكَّدها السيد الرئيس “بشار الأسد” بقوله: “لقد تمكّنت أمَّتنا الحيّة من كسرِ شوكة المؤامرات، غير أنّ المؤامرات لم تنته، بل هي تتجدّد فصولاً يوماً بعد يوم، لذلك لا بُدَّ من اليقظة والحذر، عليكم تكريس ثقافة المقاومة، لمواجهة ما تتعرّض له الأمة من تحدّيات”.
لقد عملت سورية من خلال موقعها ودورها الريادي، على دعمِ كلِّ حركات التحرر الوطني، وحركات المقاومة في المنطقة، وتحمّلت الكثير إزاء ذلك، انطلاقاً من إيمانها المطلق بأهمية وعظمة هذا الدور، الذي يُعدُّ من أنبل وأقدس الأدوار.
ففي لبنان، احتضنت سورية – رسميّاً وشعبيّاً – المقاومة الوطنية اللبنانيّة، وقدّمت لها كل أنواع الدعم، وساندتها في المحافل الدولية، وقدّمتها للعالم بأنها مقاومة مشروعة ضد المحتل الصهيوني، وبفعل هذا الدعم، تمكّنت المقاومة من دحر الاحتلال، وتحرير الجنوب اللبناني في 2000/4/25 وحطّمت صَلف وعنجهيّة المُحتل، وزرعت الرّعب في نفوس المستوطنين، وأثبتت أنّ المقاومة مُنتصرة، طالَ الزمان أم قَصِر.
كما وقفت سورية قيادةً وشعباً، إلى جانب المقاومة الفلسطينية ودعمتها بكلِّ إمكانياتها. دافعت عنها، واحتضنت قادتها في دمشق، لكن للأسف، بعض من هؤلاء انغمس في مؤامرة الحرب الدنيئة على سورية، ووقف إلى جانب المجموعات الإرهابية المسلحة، التي حملت السلاح ضد الجيش العربي السوري والدولة السورية.
كما دعمت سورية المقاومة العراقية ضد المحتل الأميركي، الذي احتلَّ العراق عام 2003 ونهب خيراته وتراثه وحضارته، وتمكّنت هذه المقاومة من طرد الاحتلال الأميركي عام 2011 لينهض العراق من جديد، ويبدأ في إعادة البناء والإعمار.
إنّ انتماء سورية القومي العروبي، وتمسّكها بخيارِ المقاومة، جعل أعداءها يحقدون عليها، ويتحيّنون الفرص للنيلِ منها، فتتالت المؤامرات والاعتداءات على أرضها وشعبها، لجعلها تدفع ضريبة هذه المواقف التي استمرّت عليها، تضحية وصموداً وثباتاً.
وقد أكَّد السيد الرئيس بشار الأسد هذه الحقائق في أكثر من مناسبة، وذلك بقوله:
“ إنّ مشكلة البعض مع سورية، ومشكلة سورية معهم، هو انتماؤنا القومي العربي والقومية، هو هويتنا وتاريخنا، والتاريخ هو ذاكرتنا، وهم يريدوننا من دون ذاكرة، كي يرسموا لنا مستقبلنا، ومن دون هويّة لكي يحددّوا لنا دورنا، وكأنّ شعبنا وضَعهم نوَّاباً نيابةً عن نوَّابه. لو كان لنا مساومة على الهوية والكرامة والمقاومة، لما كان لنا أي ّمشكلة معهم”.
اليوم تشكّل سورية من خلال مواقفها الوطنيّة والقوميّة، رأس حربة ضد قوى الهيمنة والاحتلال. هذه المواقف المبدئية دفعت قوى العدوان، إلى شن حربٍ كونية ضد الشعب السوري ودولته، لحرفها عن مواقفها ومبادئها وقيمها وتاريخها الحضاري والإنساني، ولدفعها إلى التخلي عن دعم واحتضان المقاومة، لكنها رفضت كلّ الإملاءات، صمدت وقاومت، ورسمت تباشير الانتصار، بتضحياتِ شعبها، وبطولات جيشها، وحكمة قيادتها، وهي تمضي إلى السّمو والعزّة، وإلى دروبِ المجد العظيم.
التاريخ: الثلاثاء23-3-2021
رقم العدد :1038