الثورة أون لاين- د. ذوالفقار علي عبود:
أرخت جائحة كورونا بظلالها على الاقتصاد الدولي، وتركت تداعيات الوباء والإجراءات الاحترازية خسائر بمئات المليارات على اقتصادات الدول الكبرى، وتعطلت سلاسل توريد السلع وأغلقت كبرى محال التجزئة أبوابها في مختلف دول العالم، وطالت تداعيات الوباء انتخابات الرئاسة الأميركيّة، حيث كان لسوء إدارة ترامب في التعامل مع أزمة كورونا نتائج تمخضت عن خسارته للانتخابات في أحد أسبابها.
واليوم يصيب تعطيل المرور في قناة السويس بسبب جنوح سفينة عملاقة الاقتصاد المصري والدولي، والتجارة الدولية بخسائر باهظة، فما هي الدول الأكثر تضرراً، وهل يقلل الحادث من أهمية القناة لمصلحة ممرات جديدة؟
كل يوم يتوقف فيه المرور عبر قناة السويس يكبد المالية المصرية خسائر تزيد على 15 مليون دولار كرسوم على مرور السفن، عدا التكاليف المترتبة عن توقف أعمال خدمة السفن وأطقمها، والأعمال الفرعية الأخرى التي تسهم في تأمين فرص عمل لسكان المدن والمناطق المصرية على طول هذا الممر المائي.
فقناة السويس تتميز بأنها أحد أهم المصادر المستدامة للدخل القومي المصري من العملات الأجنبية بعائدات سنوية وصلت إلى أكثر من 5.9 مليارات دولار حلال العام الماضي 2020.
ويمكن القول إن القناة تشكل أحد أبرز القطاعات التي تساعد مصر على تحقيق طموحاتها التنموية ومواجهة أزماتها الاقتصادية، لأن عائداتها مستقرة عكس عائدات السياحة والسفر والاستثمار الأجنبي وقطاعات أخرى عرضة للتأثر السريع بالأزمات على غرار أزمة جائحة كورونا، ويعكس استقرار العائدات أهمية القناة كأحد أهم الممرات المائية في العالم، وأكثرها أماناً للسفن والحاويات التي تشكل أهم وسيلة لنقل السلع والبضائع إلى مختلف الأسواق.
ولكن ما تأثير إغلاق القناة على التجارة الدولية؟
يؤدي إغلاق قناة السويس إلى خسائر تبلغ 10 مليارات دولار أسبوعياً للشركات والدول، كما يكلف شركات التأمين تراجعاً في الأرباح جراء النزاعات القانونية، ويلقي ذلك بنتائجه على التجارة الدولية، إذ إنه يضاعف أسعار النقل والتأمين وتكاليف الإنتاج، واستهلاك الوقود عدة أضعاف، ويدل على ذلك ارتفاع أسعار النفط بنسبة 6 % بعد أقل من 48 ساعة على حادث جنوح الناقلة، ويشكل المرور عبر القناة من 10- 15% من مجمل السلع التي تنقلها الحاويات إلى مختلف أنحاء العالم، وتضم السلع والبضائع المارة مروحة متنوعة من مصادر الطاقة والمواد الأولية والوسيطة والسلع الجاهزة والمصنعة، والآلات المعمرة، والحيوانات الحية وغيرها، أما وجهتها الأساسية نحو الغرب فهي أسواق أوروبا وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا، ووجهتها نحو الشرق إلى الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا ودول شرق وجنوب آسيا الأخرى.
ما تأثير إغلاق القناة على سلاسل التوريد ومخاطرها؟
بما أن الصين حلت محل الولايات المتحدة الأميركيّة كأهم شريك تجاري لأوروبا، فإن ألمانيا هي في مقدمة الدول المتأثرة والمتضررة من إغلاق القناة، فحسب معهد الاقتصاد العالمي في ألمانيا، فإن من 8 – 9% من صادرات وواردات ألمانيا تمر عبر القناة، ويطال الضرر بشكل خاص العلاقات الاقتصادية مع الصين أهم شريك تجاري لألمانيا.
حيث إن ثلثي البضائع المتبادلة بين الصين وألمانيا يتم نقلها عن طريق السفن التي تمر عبر قناة السويس.
وعلى ضوء الخشية من إطالة أمد الإغلاق لأسابيع يخشى اتحاد الصناعات الألمانية من انقطاع سلاسل توريد المواد الصناعية والمعدات بشكل يؤدي إلى قلة عرض الكثير من السلع والخدمات التي تعتمد عليها كصناعة الأجهزة الإلكترونية والسيارات ووسائل الاتصال ومعدات الطاقات المتجددة والمواد الغذائية.
ماذا عن خسائر الدول العربية؟
الدول العربية هي الأخرى ستكون إلى جانب أوروبا وتركيا من أكثر المتضررين من إغلاق القناة، لأن الصين هي أحد أهم الموردين إلى أسواق بلدان شمال إفريقيا وشرق المتوسط بنسب تتراوح بين 10% كما في حالة المغرب وأكثر من 18% كما في مصر، وبالنسبة إلى دول الخليج فإنها تصدر قسماً مهماً من النفط والغاز المسال عبر القناة، وتذهب التقديرات إلى أن ما بين مليون إلى مليون ونصف برميل نفط يومياً تُشحن عبرها إلى الأسواق الأوروبية والتركية وأسواق دول أخرى.
غير أن المشكلة الأكبر لهذه الدول في اعتماد أسواقها بنسب تتراوج بين 20 إلى 30 % على السلع الاستهلاكية التي تستوردها من أوروبا وشمال أميركا مروراً بقناة السويس، وفي حال طالت الأزمة وتم استهلاك مخزون المستودعات، فإن النقص في هذه السلع مسألة لا يمكن تجنبها، ما يعني أرتفاع أسعارها وتراجع القوة الشرائية ومستوى معيشة الفئات التي تستهلكها.
هل تقلل البدائل المطروحة من أهمية قناة السويس؟
في الوقت الذي يتفاعل فيه حادث إغلاق القناة على الصعيد العالمي وخاصة في أوروبا. وفي الوقت الذي يسود فيه المزيد القلق ومن التكهنات حول أسبابه، بدأت بعض الشركات والدول بتحويل السفن التي تنقل بضائعها إلى طرق أخرى بعضها أكثر كلفة وأطول مدة، كرأس الرجاء الصالح الذي يستغرق من أسبوع إلى عشرة أيام إضافية مقارنة بقناة السويس، ما يعني زيادة في تكاليف النقل والتأمين بنسبة لا تقل عن 30 إلى 40 %.
وإلى جانب رأس الرجاء الصالح أفادت مصادر عديدة بتوجه عدد من الزبائن إلى نقل بضائعهم من شرق آسيا إلى أوروبا عبر روسيا باستخدام ميناء فلاديفوستوك والخطوط الحديدية الروسية. وهناك فرص لاستخدام بحر الشمال في النقل بشكل أكثر من ذي قبل مع ارتفاع درجات الحرارة خلال هذه الفترة واستخدام كاسحات جليدية تسهل مرور السفن وناقلات الحاويات.
على ضوء ذلك، فإن على مصر في المستقبل المنظور الأخذ بالحسبان أن تراجع أهمية القناة مسألة واردة، لأن النقل البري عبر بعض ممرات طريق الحرير الجديدة التي سيتم العمل على إنجازها في السنوات القليلة القادمة سيكون أقل تكلفة منه عبر قناة السويس. ومما يعنيه ذلك أن هذه الممرات ستفقد قناة السويس الكثير من أهميتها كما حصل من قبل مع طريق رأس الرجاء الصالح الذي أفقدته القناة أهميته بشكل تدريجي بعد إنجازها وتشغيلها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.