من يتحدث عن حقوق الإنسان يجب أن يكون قبل غيره ملتزم بمبادئها ومطبقاً لشروطها في نظامه السياسي، وفي سلوكيات المؤسسات لديه، وأن يكون قدوة لغيره في هذا الشأن، لا أن يكون أول المنتهكين لها.
هذه المقدمة القصيرة جداً.. تقودنا للحديث عن قضية شائكة في العلاقات الدولية، ألا وهي قضية حقوق الإنسان وكيفية تعامل الولايات المتحدة الأميركية معها، وخاصة أن الأخيرة قد نصبت نفسها زوراً وبهتاناً منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي حامية لحمى الحريات وحقوق الإنسان حول العالم، وراحت وزارة خارجيتها منذ زمن طويل تكيل الاتهامات لدول بعينها بشكل مخالف للحقيقة على أنها تنتهك حقوق الانسان، وذلك من خلال تقريرها السنوي الذي تتحدث فيه هذه الوزارة عن حالة حقوق الانسان في جميع أنحاء العالم، دون أن تراعي أبسط قواعد الدبلوماسية والمبادئ السياسية التي تحكم العلاقات بين الدول.
ومن المفارقات العجيبة الغريبة في هذا الزمان، هو أن تتحدث واشنطن عن انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان في سورية وغيرها من الدول التي لا تخضع للهيمنة الاميركية، وهي التي تنتهك هذه الحقوق جهاراً نهاراً في الأراضي السورية وفي جميع أنحاء العالم، وفي الداخل الأميركي نفسه، وقضية جورج فلويد الذي قتلته الشرطة الأميركية خنقاً حتى الموت أمام مرأى ومسمع العالم كله على مبدأ أفلام هوليود شاهد حي على كذب ودجل إدارات البيت الابيض لن تنساه الشعوب مع مرور الزمن.
وتشهد الأفعال الأميركية المنافية للقانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة اليومية في سورية وفي العديد من الدول التي ترعى الإدارات الأميركية فيها تنظيمات مصنفة دولياً إرهابية كداعش والنصرة والقاعدة ومن على شاكلتها، تشهد على أن الولايات المتحدة أول من ينتهك حقوق الإنسان في هذه الدول، وذلك لرعايتها لتنظيمات لا تؤمن بهذه المبادئ ولا بهذه الأفكار، وتزج بقواتها العسكرية بشكل عدواني لتقويض السيادة الوطنية لدول مستقلة وأعضاء في الامم المتحدة.
ولم تقف العدوانية الاميركية عند هذا الحد، بل إنها تمارس ومن يسير وفق رغبتها كالأوروبيين عدوان من نوع آخر على حريات الشعوب وحياتها، من خلال تطبيق عقوبات اقتصادية وإجراءات قسرية أحادية تمنع من خلالها كل وسائل الحياة ووسائل الوقاية من فيروس كورونا المستجد الذي تتطلب مواجهته إجراءات وإمكانيات مادية وبشرية كبيرة، الأمر الذي يجعل حديث واشنطن عن حريات الإنسان حديثاً مرفوضاً جملة وتفصيلاً بتناقضاته على الواقع والقوانين والإجراءات والممارسات.
حدث وتعليق- راغب العطيه