الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
يبدو أنه لايزال قسم كبير من المنتجين يخوضون مجال الإنتاج الدرامي اليوم من منطق (السبوبة) وبسبب قلة الأحصنة باتوا يسرجون على أي نص مسلسلاً !!. والمصيبة أنهم يجرون وراءهم الكثيرين ، بمن فيهم نجوم كبار ومخرجون معروفون وفنيون مهمون ، وكل الظن أن مخرجين وفنانين بهذا الحجم يمكنهم تغيير المُتاح وإلباسه ثوباً أكبر بفضل اسمهم وتاريخهم ومكانتهم عند الجمهور ، ولكن العديد منهم لايلبث أن يشعر بحقيقة وقوفه على أرض من وحل ، هذا الوحل الذي تغوص فيه الأقدام دون حسبان للنتائج في الوهلة الأولى ، وما إن يذوب الثلج حتى يكون الوحل قد تمكّن ، ولم يعد بالمقدور العودة إلى الوراء . والأنكى أننا كمتابعين للأعمال ربما وقعنا في الشباك نفسها بشكل أو بآخر ، فالحالة الاحتفالية التي سبقت الشهر الكريم بدأت تتبدد غيومها لتظهر على حقيقتها غيوماً لا تحبل بالأمطار إلا بزخات هنا وهناك لا تروي عطشاً ، ليبدو موسماً فيه الكثير من القحط (عدا استثناءات قليلة جداً) بعد أن استبشرنا به خيراً .
مما لا شك فيه أن أوراق اللعبة تتغير وتتبدل مع الزمن فما كان يصح منذ سنوات قد لا يصح اليوم لأن مزاج المشاهدة تغير ، والعمل الذي كان يُحدث الدهشة منذ بعض الوقت بهُتت دهشة أشباهه اليوم لأنه ما هو إلا (استنساخ عن أصل) وبتنا بحاجة إلى عملية ابتكار وخلق حقيقية على مستوى النص والحبكة والشخصيات والفكرة والمعالجة والدهشة والمتعة .. وهنا أشدد على (النص) لأنه المُبتدى ومن دونه مهما قمت بالبذخ الإنتاجي ومهما استقدمت مبدعين سيبقون أعجز من إحياء ميت . وإن كانت حالة المتعة أمر لا يمكن المساس به في العمل الدرامي فإنها تحولت إلى مطيّة يخفي وراءها كثيرون حالة من الارتجال والأمية في التعاطي مع هذا الفن ، وضرورة تحقيق المتعة لا ينفي أبداً أن يحمل العمل ثقله على صعيد الموضوع والأفكار وذكاء التعاطي معها وتناولها بإطار مشوق بعيد عن الركاكة النصية والبصرية .
ولدى إجراء مقارنة بسيطة بين ما كانت تحمله الأعمال المُنتجة في تسعينيات القرن الماضي (على سبيل المثال) وما تحمله الأعمال اليوم على صعيد المتعة من جهة والفكرة ومعالجتها من جهة ثانية ، يمكن تلمس الهوّة على صعيدي الكم والنوع ، حيث غاب التاريخي الذي يحمل اسقاطاته والكوميدي الذي يقدم نقده اللاذع والاجتماعي الذي يتناول عمق حال الناس وحكاياتهم .. ، ومما لا شك فيه أن نجاة عملين أو ثلاثة على أبعد تقدير من هذه المعادلة لا يُبرئ ساحة الإنتاج الدرامي اليوم . وإن كنا لم نتناول أعمالاً بعينها فلأن العرض لايزال قائماً ، ولكن هناك حالة عامة يمكن تلمسها حتى منذ الحلقات الأولى ، فكيف الحال بعد أن مضى عدد لا بأس به من حلقات المسلسلات ؟..
هو ناقوس خطر يدق بشدة ، لا تستلموا للنوم الرغيد فأمامنا الكثير من العمل ، لا أنكر أن هناك أداء ساحراً لفنان في هذا العمل وديكوراً لافتاً لمبدع في ذاك المسلسل و.. ولكنها تبقى بصمات فردية لا تكتمل ضمن نسيج متكامل أساسه النص المحكم المتين ، فنحن اليوم أحوج ما نكون إلى عمل متكامل يحمل بذور نجاحه من الفكرة فالنص والمعالجة ووضع الميزانية واختيار المخرج الذي بدوره ينتقي فريقه من الفنانين والفنيين المناسبين ليكون كل منهم في مكانه ، ووصول فريق العمل إلى حالة تشبّع من الفكرة ، يعيشونها فيجتهدون ويبحثون ويكتشفون ويبتكرون .. وبعد ذلك كله يحين موعد التصوير ، هذا أقل الإيمان وأي خلل في البناء سيعرضه للخطر ، فكيف الحال إن كان الخلل من اللبنة الأولى (النص) ؟.. وهنا لن أقارن مع أعمال درامية عربية غير سورية ، ولكن دعونا ننظر أين أصبحنا وأين أصبحوا ، فمما لا شك فيه أن لدينا الكثير من المبدعين والإمكانيات ولكننا بحاجة إلى مجموعة من الأعمال التي تحمل مضموناً فكرياً هاماً قريباً من الناس يحقق الدهشة والمتعة معاً لتشكل حالة عامة بعيداً عن مبدأ الطفرات .