الملحق الثقافي: هفاف ميهوب :
عندما أطلقَ القائد الرافديني «أوركارجينا»، مفهوم الحريّة لأول مرّةٍ في التاريخ، كانت كمفهومٍ تعني وتشير، إلى التفلّت من القيود الإيديولوجية الموجّهة من قِبَل الكهنة، وأرباب المعابدِ آنذاك..
كرجت عجلة الزمن، تدحلُ أزمانها اللاحقة، حاملةً من الماضي مفهوم الحريّة، كما رآها «أوركاجينا»..
فكيف يطلبُ العبدُ المقيَّد بأمثالِ تلك الإيديولوجيات، الحريّة من جهاتٍ، لا تفرض عليه وعلى تصرّفاته، أيّ قيدٍ سوى قيد القانون الذي هو فوق الجميع؟!!.
إن حريّة القانون، هي في قيوده التي تعاقب الشّاذ أخلاقيّاً ومجتمعيّاً وفكريّاً، فهل يطالبُ المرءُ بحريّةٍ ما، وفقاً لتوجّهه، ويفرض على الآخرين حريّته المقيّدة، وفقاً لتعاليمِ أوّل من أنفثها، أولئك الذين قال عنهم «يوحنّا المعمدان» في الإنجيل، بل الذين خاطبهم: «يا أولاد الأفاعي».
وهل تستقيم «أمارجي».. (الحرية) ما قبل التّاريخ، مع «أمارجي» هذا العصر؟!.. ما قبل التاريخ التي تقول لك، أنت حرٌّ بانتقاءِ عبادتك، والتي تقول في عصرنا، أنت حرٌّ بأن تقتل وتحرق وتدمّر بنيان وطنك، لكنّك لستَ حرّاً بعبادتك، فأنت عبدٌ لنا، نطلقكَ بكامل الحرّية، لتحقيق مصالحنا الماديّة والسياسية وكيفما اتّجهت الحاجة، وتطابقت الأهواء.
يا ابن الحضاراتِ القديمة، يا حفيد التّاريخ العظيم، كن حرّاً ولكن، في تقديس وطنك، وفي الحفاظ على حريّة القانون.. كن حرّاً ترى حريّة الآخرين، كما ترى حريّتك.. كن حرّاً للذين يمنحون حياتهم لأجلك، فحريّتك معهم، هي احترام دمهم ونقاء أرواحهم.
عندما تكون هكذا، فلا حاجة لتقول، أنا أريد الحريّة، فإن لم تكن حرّاً بذاتك من ذاتك، فكيف لك أن تطالب أيّ جهة، منحك حريّة فرض ذاتك وإقصاء الآخرين؟!.. أيّ حريّة وأنت سجينٌ ارتضيتَ ظلامك، وتريد أن تجعل المجتمع كلّه، يقاسمك هذا الظلام؟!..
يا أبناء الشّمس، لا تقيّدوا أنفسكم، ولا تطالبوا الآخرين بمنحكم حريّة تكون على مقاسكم، فإن كنتم أبناء الشّمس حقاً، اجعلوا من الحريّة طاقات بناءٍ للحياة، واتركوا الموت للأموات.
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء27-4-2021
رقم العدد :1043