الثورة اون لاين:بقلم أمين التحرير- ناصر منذر
حسب بيان للبيت الأبيض، من المقرر أن يلقي جو بايدن خطاباً أمام الكونغرس غداً الأربعاء، عشية إتمامه المئة يوم الأولى في السلطة، ومضمون هذا الخطاب على الأرجح لن يضيف أي جديد على ماهية الاستراتيجية التي تبناها خلال خطابه العدائي الأول أمام مؤتمر ميونخ، ولكن ماذا عن الأيام المئة الأولى من حكمه؟، أليست كافية لتبرهن أن النظام السياسي الأميركي تحكمه ثلة من العصابات، وأنه لا يمكن لأي رئيس أميركي أن يحيد عن التوجهات الاستراتيجية التي تحددها (الدولة العميقة)، فهل كان ترامب على سبيل المثال أقل سوءاً من أوباما، وهل اختلف الاثنان في شيء عن بوش الابن ومن سبقه؟، فما الذي تغير في عهد بايدن اليوم إذاً؟، ألا يسير على خطا أسلافه، مع فارق أنه يعجل بنهاية عصر الهيمنة الأميركية؟.
قد يكون هناك فروقات بين الرؤساء الأميركيين، ولكنها على مستوى اختلاف الأسلوب والتكتيك فقط، وبايدن اعتمد ولم يزل، أسلوب المراوغة والكذب لاحتواء الفشل الذي منيت به السياسة الأميركية ومشاريعها الاستعمارية على الكثير من الجبهات الدولية، ولكنه راكم بحماقاته هذا الفشل، هو ادعى أنه سيبني سياساته الخارجية على الدبلوماسية والحوار، لكنه سرعان ما طالب الكونغرس بميزانية عسكرية ضخمة تفوق الـ 715 مليار دولار لمواجهة روسيا والصين، وسياسة التصعيد التي ينتهجها ضد هاتين القوتين الكبريين وصلت إلى حد الجنون، ولهاثه المستمر لإيجاد ثغرة ينتزع من خلالها حقوق إيران النووية بات يهدده بقطع أنفاسه قبل تخطي عتبة أيامه المئة الأولى، وجنوحه نحو إعادة إحياء (داعش)، وتعويم إرهابيي (النصرة) (كمعارضة) معتدلة يثبت إدارته في خندق التنظيمات الإرهابية، والعدوان الغادر الذي أمر بشنه على دير الزور في أيامه الأولى يؤكد انتهاكه للشرعية الدولية، والتزامه بشريعة الغاب التي انتهجتها إدارتا (أوباما وترامب) في تعاطيهما مع الحرب الإرهابية على سورية.
الفشل والتخبط، هما الصفتان الأبرز اللتان تلازمان سياسة بايدن حتى اليوم، هو وسع رقعة المواجهة على الساحة الدولية، سواء عبر الاستعراضات العسكرية المستفزة، أم من خلال بوابة العقوبات العبثية، ولكنه عاجز عن ترطيب أجواء الحرب الباردة التي أجج نيرانها بسياساته المجنونة، ومواقفه غير المتوازنة الخارجة عن حدود الدبلوماسية، وهو مكبل اليوم بقيود الخطوط الحمراء التي رسمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خلفية التصعيد الغربي ضد بلاده من الخاصرة الأوكرانية، حتى أن لقاء القمة المحتمل الذي ينتظره في حزيران القادم بات مرهوناً بالكثير من العوامل والأفعال الحقيقية حسب تأكيد الكرملين، فموسكو لن تسمح لواشنطن في النهاية أن تتحدث معها من منطق القوة، وكذلك هي الصين التي دعت إدارة بايدن أكثر من مرة للتخلي عن عقلية الحرب الباردة كشرط أساسي لأي حوار يفضي لتصحيح مسار العلاقات الثنائية، ولا حاجة أيضاً للتذكير بعناد إيران الذي سيجبر الولايات المتحدة في نهاية المطاف على الاعتراف بحقوقها النووية المشروعة، وما يتبع ذلك من رفع كامل العقوبات عنها، لاسيما وأن الصبر الاستراتيجي لمحور المقاومة بلغ نهايته، والكيان الصهيوني الذي يحرك مسار السياسة الأميركية قد تبلغ هذه الرسالة، وبات يتحسب لأبعادها.
العالم يتغير اليوم، وموازين القوى هي لصالح الدول المحبة للسلام، وما زال أمام بايدن، ومن ورائه (الدولة العميقة)متسع كبير من الوقت لمراجعة السياسات الخاطئة من أجل إعادة الاستقرار العالمي، وتصحيح مسار العلاقات الدولية على قاعدة الاحترام المتبادل بين كل الدول بما يحفظ سيادتها ومصالحها، لأن الاستمرار بسياسة التصعيد والعدوان لن تجلب للولايات المتحدة سوى المزيد من الإخفاقات، وتعجل من كسر هيمنتها الأحادية.
