المشهد الانتخابي الذي جسده السوريون في الخارج، عبر إقبالهم الكثيف على صناديق الاقتراع، في سفاراتنا وبعثاتنا وقنصلياتنا في العديد من دول العالم يوم 20 أيار الجاري، لا شك أنه صورة وطنية عز نظيرها، وهي حتما ستكتمل بأبهى تجلياتها يوم الـ 26 من الشهر ذاته، هكذا هم السوريون عبر تاريخهم النضالي الطويل، الوطن بالنسبة لهم أغلى من أرواحهم، ومصلحته فوق كل اعتباراتهم الخاصة، والعالم أجمع يقر بهذه الحقيقة، وهي صادمة لبعض الأنظمة الغربية والإقليمية الحاقدة، التي لا تعير أي اهتمام لمصلحة دولها وشعوبها عندما يتصل الأمر بأجنداتها العدوانية والاستعمارية، ولعل أحد أسباب الحرب الإرهابية المتواصلة هو استهداف وعي السوريين ودفعهم للتفريط بحقوقهم الوطنية والسيادية، والتنازل عن مبادئهم ومواقفهم القومية، والتخلي عن خيارهم المقاوم، لتسهيل مهمة الغرب القذرة في استباحة دول المنطقة برمتها.
السوريون في الخارج غرزوا إسفيناً آخر في نعش المشروع الصهيو-أميركي، الذي يستهدف قوة ومنعة بلدهم، ليكون بوابة عبور لخرائط تقسيمية جديدة تثبت الاحتلال الصهيوني في فلسطين، وتمنحه شرعية البقاء في المنطقة كقاعدة إرهاب دائمة للغرب، واستهداف موقع الرئاسة السورية كمفتاح لضرب الدولة بكل مقوماتها ومؤسساتها التشريعية والدستورية، كان ولم يزل الهدف الرئيسي لمنظومة الإرهاب والعدوان، وهذا ما عملت عليه طوال سنوات الحرب السابقة، ولكن الرد السوري كان صاعقاً، بإنجاز عدة استحقاقات دستورية وتشريعية سابقة ( انتخابات رئاسية – انتخابات مجلس الشعب – انتخابات إدارة محلية)، واليوم يسجل السوريون انتصاراً سياسياً جديداً، بدأه أبناء الوطن في الخارج، وسيستكمله السوريون داخل حدود الوطن يوم الأربعاء القادم، وهذا لم يكن ليتحقق لولا صمود السوريين ووعيهم وإدراكهم لأبعاد المؤامرة التي تستهدف كيانهم ووجودهم.
المواطنون السوريون في الخارج، وجهوا بإقبالهم الكثيف على صناديق الاقتراع، العديد من الرسائل المهمة، وقد وصلت إلى مسامع المتآمرين، فإجراء الانتخابات في مواعيدها الدستورية أمر بالغ الأهمية، للتأكيد على قوة الدولة ومنعتها، والدول المعادية كرست كل إمكانياتها للتشويش عليها وتعطيلها، لإحداث فراغ دستوري يكون ذريعة لمزيد من العدوان والتدخل الخارجي، والكل يعلم أن التصويب على الانتخابات الرئاسية بدأ مبكرا، وما يسمى قانون “قيصر” كان البداية، وتبعته الإجراءات القسرية التي فرضتها الدول الأوروبية تماشياً مع نهج الغطرسة الأميركية، وجاءت سلسلة الضغوط الغربية عبر استغلال المنظمات والهيئات الدولية “مجلس حقوق الإنسان ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية” لتصب في ذات الإطار، من دون أن ننسى ما حضرت له دول منظومة العدوان من عمليات وهجمات إرهابية تستهدف عدة مدن وبلدات سورية ينفذها إرهابيو “داعش والنصرة” قبيل الانتخابات، وقد تم قتل 200 إرهابي باستهداف قاعدة أنشئت لهم في منطقة التنف، حسب ما أكدته وزارة الدفاع الروسية قبل نحو شهر، واليوم يحضر إرهابيو “النصرة” بمشاركة إرهابيي ” الخوذ البيضاء” لاستفزازات كيميائية بمنطقة خفض التصعيد بإدلب، وكل ذلك من أجل استهداف عملية الانتخابات الرئاسية، وهذا دليل كاف على أن نجاح الاستحقاق الدستوري، يعني تقويضاً لمشاريع ومخططات الغرب.
السوريون بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم، ومختلف أماكن وجودهم، داخل الوطن أم خارجه، يؤكدون مجدداً عمق انتمائهم لهذا الوطن، ومدى عشقهم وقدسيتهم لتراب وطنهم، وكلهم يقولون بصوت واحد: نحن من يقرر مصيرنا ومستقبل بلدنا، ولا توجد قوة في العالم تستطيع فرض مشيئتها علينا، ومن رحم صمودنا وانتصارنا الناجز على الإرهاب وداعميه، يولد النظام العالمي الجديد.
بقلم أمين التحرير ناصر منذر