الملحق الثقافي:حبيب الإبراهيم:
من شُرفتها المطلّة على المدى، تستيقظُ اللاذقيّة بحنوٍّ وهي تعانقُ بحرها الدافئ، تُسدل ضفائرها أشرعةً للقادمين، تنثرُ فيضَ حبّها زجاجات عطرٍ عبّأتها من دنانِ الروح …
في شوارعها، أزقّتها، حاراتها المتلاصقة، تشعر بأنّك تسير بلهفةِ العاشقين وجوى المحبّين، تجمع الحيويّة والحركة والنشاط، من قلبِ مدينةٍ تضبط إيقاعها ووقع خطواتها، على نبض القلوب المفعمة حباً وشوقاً وحنيناً.
عندما تتجوّل في شوارعها، يفتنكَ سحرها وجمالها.. تعانق الوجوه العابرة، تلمح الطيبة المحبة، البساطة.. ترافقك قسماتها، نُبلها، دأبها خلف رزقها، وكأنّك تقرأ حكايات الوجد الأوّل.
على هديلِ اليمام الذي يغازلُ أشجارها العالية، تسمع ألحاناً شجيّة، وكأنّك أمام عازفٍ يسكب من قلبه وروحه، كلّ هذا الجمال والبهاء..
تقتبس من أوغاريتها الغافية على تخومها، والتي قدّمت للإنسانيّة الحرف والمعرفة، وشماً لحروفٍ وكلماتٍ تنبضُ حبّاً وأملاً وتفاؤلا..
هي عروسٌ تزدهي بثوبها الأبيض الجميل.. هي كلّ الحكاية، من سَفر النوارسِ، إلى عناقِ الأشرعة..
تعرفُها الشُّرفات البحريّة، والشبابيك المفتوحة للضوء والنهار والمدى، مفتونة بموجها الذي لا يهدأ، وعناق شطآنها الذي يروي ألف حكايةٍ وحكاية..
تعرفها مراكبُ العشّاق، شغب السنونو في نهاراتها الفضيّة، التي لا تملّ الدوران، ترسمُ صورتها في أفناءٍ واسعةٍ رحبةٍ لا تنتهي.
هي اللاذقية بشواطئها المفتوحة لكلِّ الوجوه المُحبّة، لكلِّ العيون التي تداعب ليلها وسهرها ورواد مقاهيها وساحاتها وشرفاتها، تستقبلهم بودٍّ، توزّع من شطآنها وجبالها وينابيعها، عطراً وأناشيد وحكايات.. ليلها نهارٌ يضجُّ بالحيويّة والحياة، تهجرُ النومَ وتطيلُ في سهرها حتى الصباحات الأولى، لتقول لكلّ من زارها أو عاشَ فيها، إنها مدينة السحر والجمال..
هي اللاذقية مدينة لا تغادرها القلوب، تتجذّر فيها الأفئدة، وتشخصُ إليها العيون، وتعرّش على جدرانها حكايات الحب الأوّل، وحدها تغزلُ من ضفائرها شالاً من مودّة، وترسم بأناملها الناعمة دروباً عابقةً بأغاني المجد والكبرياء، مزنّرة بالحب والحياة.
التاريخ: الثلاثاء15-6-2021
رقم العدد :1050