هل عرفَ الإنسان الحبّ؟..

الملحق الثقافي:عيسى إسكندر علي:

يكاد يكون الحبّ، هو القيمة الأكثر إشكاليّة بين القيم الإنسانيّة والفلسفيّة (الحقّ، العدل، الخير، الجمال)، والأكثر تعدّداً وتشعُّباً.. فمن الحبِّ الغريزي إلى الرومنسيّ، إلى حبِّ الأم والأبِ، وصولاً إلى الحبِّ الصوفيّ (الروحي).
الإشكاليّة الكبرى، في تعريفِ الحبّ ومعرفة جوهره.
في الحضارة اليونانية، تقول الأسطورة إن الإنسان في البدء، خُلقَ برأسين وأربع أيدي وأربع أرجل، ثم جاء «زيوس» بسيفه فقسمه إلى قسمين، ثم تاهَ كلٌ عن الآخر، وبدأ يبحث عن نصفه الضائع.
بالعموم لم يتّفق الفلاسفة على تعريفِ الحبّ، بل أكثرهم لم يعترف به، رغم كونه يحمل نصف معنى الفلسفة «حب الحكمة».. ورغم أن معظم ما كتبه الإنسان في الأدب والفن، كان عن الحبّ، إلا أن الواقع يكاد يخلو منه.
قبل أن نطرح الأسئلة الكبرى عن الحبّ، دعونا نقم بجولةٍ سريعة على التاريخ، لنرى كيف رآه القدماء؟، وكيف عبّروا عنه؟.
ما وصلنا من شعر ما قبل الإسلام عن الحبّ، كان بمجملهِ إما غزل ووصف لجمال المرأة، وإما تعبير عن العذاب الناجم عن الحبّ، فالحبّ عندهم عذابٌ وألمٌ وليس سعادة.
نذكر هنا معلقة «امرؤ القيس» التي تبدأ: «قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ»، ثم يقول: «أغرّكِ مني أن حبّكِ قاتلي»، وها هو «عنترة» يقول أيضاً: «وأبذلُ جهدي في رضاها وتغضبُ».
ومن شعراء صدر الإسلام، يقول «زهير بن كعب» واصفاً حبيبته: «هيفاءُ مقبلةً عجزاءُ مدبرةً/ لا يشتكي قصرٌ منها ولا طول»، ويقول «لسان الدين ابن الخطيب الأندلسي»: «جاءت معذبتي في غيهب الغسقِ».
بعد كلّ هذا، نلاحظ أنه لا ذكر لجوهرِ الحبّ، وأنه اقترن بالعذابِ أو وصف الشّكل دون الجوهر..
الأهم رأي مثقفيّ العصر الاسلاميّ، فقد رأى «أبو بكر الرازي»، أن الحبّ بلاء، أما «ابن سينا» فقد صنّفه كنوعٍ من الجنون، وعموماً نعَتَت العرب المحبين بالجنون.
أما في عصر الظلام العثمانيّ، فلم يعرف أيّ أثرٍ للحبِّ، بل كان عيباً ومعصية.
وفي ضفّة الفلاسفة، ذكر «أفلاطون» في أحد كتبه، الوليمة التي أقامها أحد الشعراء للفلاسفة والأدباء، وطلب منهم تعريف الحبّ، لكنهم لم يجتمعوا على تعريفٍ محدّد.. ثم جاء «شوبنهاور» بعد قرون ليعرّف الحبّ، بأنه انعكاسٌ مخادع للرغبة الجسديّة، ولم يكن «نيتشه» أحسن حالاً، حيث عرّفه بأنه غريزة حيوانية.
كلّ تلك التعاريف القاصرة للحبّ، لم تستطع ولن تستطيع، التقليل من أهمّيته العظمى في حياة البشر، تاريخيّاً ومستقبلاً، سواء بوجوده حيث يعمُّ السلام وتزدهر الحياة، أو بغيابه حيث تنتشر الحرب، ويعمُّ الموت والخراب.
المتصوّفة على مختلف مشاربهم، رأوا أن «الله محبة» وحب.
ومن أهم من تكلّم عن الحبّ عالمياً، الراهب والمعلم الفيتنامي «نيث هانه» وهو ناشط ٌ سياسيّ من أجل السلام، وقد عرّفه بأنه العطف والرحمة والمتعة والاتّزان، وكذلك قال موجِزاً تجربته الطويلة في فضّ النزاعات: «إن أفضل طريقة لفضّ النزاعات وحلّها، هي تعليم الحبّ للناس»..
بعد هذا العرض المقتضب، نبدأ بطرح الأسئلة، أملاً بالحصولِ على جوابٍ مقنعٍ وشافٍ:
– هل الحب غريزة؟.. لماذا إذاً لا ينعم الجميع بالحبّ؟..
– هل الحب ترف؟.. لماذا أصْدَق وأكثر العشاق من الفقراء؟.
– هل الحب علاقة نفعيّة؟.. في هذه الحالة، سيسقط القناع عند أول امتحان، وكل حالات الحبّ النفعيّ «مصلحة» باءت بالفشلِ الذريع .
– هل الحب قيمة إنسانيّة مُطلقة؟.
بالطبع لا يوجد جوابٌ شامل، لكن من المؤكّد أن مآسي البشريّة عبر التاريخ، ناجمة بشكلٍ مباشر وغير مباشر، عن انعدام الحبّ، وأستطيع أن أجزم أن الحبّ هو الدواء للإنسان فرداً ومجتمعات.
أميلُ أيضاً، إلى تعريف «النبيّة» «ديونما» للحبّ، حيث ذكره «سقراط» على لسانها، في معرضِ ردّه على سؤالِ الشّاعر «أجاثون» أثناء المأدبة التي ذكرها «أفلاطون»، وقد عرّفت الحبّ بأنه: «توسّط الإلهيّ والفاني»..
ربّما يكون الحبّ أبسط مما نتصوّر.. إنه احترام الآخر وفهمه وفهم متطلباته.. السعادة لمحبينا بقدرِ ما هو سعادة لأنفسنا.. سموٌّ فوق المنفعة.
أليسَ الحبّ هو حلم الجميع؟، أم لا تطيقه إلا الأنفس السامية والعظيمة؟.

التاريخ: الثلاثاء15-6-2021

رقم العدد :1050

 

آخر الأخبار
أردوغان: ملتزمون بدعم وحدة واستقرار سوريا  الذهب يواصل ارتفاعه محلياً وعالمياً والأونصة تسجل 42.550 مليون ليرة سوريا: مستعدون للتعاون مع "الطاقة الذرية" لمعالجة الملفات العالقة التأمين الصحي.. وعود على الورق ومعاناة على الأرض "تجارة ريف دمشق" تبحث مع شركة تركية توفير الأدوية البيطرية   قرار ينصف المكتتبين على مشاريع الإسكان مراقبون تموينيون جدد .. قريباً إلى الأسواق  جاليتنا في "ميشيغن" تبحث مع نائب أميركي الآثار الإنسانية للعقوبات  "الشيباني والصفدي وباراك" يعلِنون من دمشق خطة شاملة لإنهاء أزمة السويداء 4 آلاف طن  إنتاج القنيطرة من التين خطاب يناقش مع لجنة التحقيق بأحداث السويداء المعوقات والحلول هل تكون "المخدرات" ذريعة جديدة في صراع واشنطن وكراكاس ؟ لجنة لدراسة قطاع الأحذية والمنتجات الجلدية في حلب باحث اقتصادي: التجارة الخارجية  تضاعفت مرة ونصف منذ ثمانية أشهر نقلة من  الاقتصاد الواقعي إلى الالكتروني تعاون مالي سوري - سعودي "قدرات".. مشروع يضيء دروب الباحثين عن فرصة عمل المدارس الخاصة في اللاذقية.. رفاهية تعليمية لِمَن استطاع إليها سبيلاً سوق السيارات المستعملة.. أسعار خيالية والصيانة تلتهم ماتبقى البلاغة السياسية.. كيف اختصر الرئيس الشرع التحديات في خمسين ثانية؟