الملحق الثقافي:نبوغ محمد أسعد:
تتلوّى الحروفُ بين يديه، عاشقة تغزلُ من شغاف الروح أغنية الجمال، فتبثق رائحة الأحاسيس من بين الضلوع، لتمتشق سيف البنان الجامح، فتصهل الروح بأعذب الأمنيات، وأحلى الكلام .
هكذا يكتب شاعرنا “منير محمد الخلف” حروف قصائده التي أضناها الوجع، لتعبر إلى أرواحنا مثل رفيف الحمام، فتبدو العاطفة كمكوّن رئيس في نصوصه، وهو ما يُعتبر من أهم مقومات الشعر .
يقول في قصيدته: “ تتلو حياء دمشقها”:
يا وجه شامِ القلب
يا ورداً لدربِ العمر
وصلكِ آية
من سحرِ ليلكٍ لا يَرى
من عمقِ فتنتهِ
سوى قمر
يرتِّلُ صبح رحلتي العميقة
في انتظاركِ
يا أناي
ويا كلام الرُّوح
يطلعُ من أساطيرِ السّلام ..
تتصاعد الحالة العاطفيّة والإنسانيّة لدى الشاعر، وهو في أوج حالاته الشعوريّة، فيبحر في عمقِ القصيدة التي تروي حكايات حبٍّ أبديّة، عاشها مع أقرانه وأحبّته ورفاق عمره.. تصبح الذكريات هي المحرك الأهم لتلك العاطفة ونبض القصيد، وتنسجم الموسيقا مع المعنى، ويبدو التكثيف واضحاً مع الالتزام باللغة والنغمة العروضية المتوازنة .
يقول في قصيدته “عطر من يدين”:
أعصرُ باقة من ذكرياتٍ غير ذي شجر
بدربِ العمر
أخسرُ كلّ يومٍ حاجتي للأمس
لكنّي المعلّق بانتماءٍ واضح
لوجوهِ من أحببت
“كواعبٌ من غيم”.. قصائدٌّ تلونت بألوانِ الحب والذكريات المعتّقة بالألم والحسرة وبريق الدهشة، التي تباغتنا ونحن نستقرئ ذات الشاعر، عبر الانسياب الشفيف للمعاني المعبّرة عن لواعجِ الشوق والحنين، ونار الفراق الذي خلفه رحيل أحبّته، وهو ما عبّر عنه بحروفٍ رسمها من ضياءٍ ينهمر مع شهقاتِ القلب المكوي فقداً وشوقاً..
يقول في قصيدته “كواعب غيم”
كأنَّ على الناياتِ بوحي هاطل
أناملنا الإحساس
هيمى رؤوسها
شربتْ رحيقَ الحرف
حتى ظنَّني
سليل المراثي
فاصطفتني كؤوسها.
مجموعة الشاعر “منير محمد الخلف”، هي نسيجٌ متكامل لعاطفةٍ متصاعدة، وروح إنسانيّة تناغمت مع موسيقا الشّعر، وانسياب حرف الروي بتشكيلٍ فنيّ مبتكر، ومطرز بالدلالاتِ المُشبعة بالأشياءِ الجميلة، المطعمة بالحزن الأنيق، ورغم رصانة الحرف وصلابة اللفظة، إلا أن قصائده كانت بعيدة تماماً عن الضبابيّة والتعقيد والتهويم، فشدّتنا بجمالياتِ معانيها التي تعكس مرايا الروح لدى شاعرنا، وتنبثق كبركانٍ من نار ونور.
يقول في قصيدته “الأم”، التي كانت الأريج الصارخ في مجموعته، لما تمتلكه من كثافةِ العاطفة المتأجّجة، الناطقة بالحبّ الحقيقي الذي لا ينضب:
تمدُ لي فرحاً من نبضها وهوى
وبسمة تطفئُ الأوجاعَ والشجنا
أمي البلاد، ولي من خبزها قمرٌ
يجيئني وطناً أو حاملاً سكنا
أمي حدائق فجرٍ توقظُ الزمنا
تعيدُ لي فرحة مخبوءة وأنا
التاريخ: الثلاثاء15-6-2021
رقم العدد :1050