الملحق الثقافي: هفاف ميهوب:
لم يكن عبثاً ولا تخيُلاً، ما رواه الكولومبي «ماركيز» في رائعته «مئة عام من العزلة»، ويؤكّد هذا قوله في كتابه «لم آتِ لألقِ خطاباً»: «لنا الحقّ في تصديقِ، أن الوقت لم يفتْ بعد، للانطلاق في إبداع يوتوبيا جديدة وساحقة ومعاكسة، ولا يمكن لأحدٍ فيها أن يقرّر عن الآخرين، طريقة موتهم، حيث يكون الحبّ صحيحاً، والسعادة ممكنة، وحيث تجد أخيراً، وإلى الأبد، السلالات المحكومة بمئةِ عام من العزلة، فرصة ثانية على الأرض»…
يبدو بأنه كان على حقٍّ في طلبِ تصديقِ ذلك. لكن، هل صدّق فعلاً؟.. ربما هي سخريةٌ عاليةٌ في بلاغتها السحريّة، وربما هو الأمل الذي رأى بأن على الكاتبِ التسلّح به، للخلاصِ ما أمكن من تفاقم الألم، الذي دفعه لإبداعِ مالم يكن بالنسبة لديهِ خيالياً وعجائبياً، ولا حتى – وحسب خطابه – أشدّ إذهالاً من أزمنة العزلة التي عاشتها أميركا اللاتينية.
نجرؤ مثله على التفكير، بأن ما عشناه على مدى سنواتِ الحرب، وما تلاها، وفرضَ علينا مختلف أنواع العزلة، التي كان أخطرها ثقافياً، وأبشعها وبائياً، لا يمكن أن يفرض علينا أن نكون، مجرّد «فيَلَ شطرنج» هناك من يحرّكها ويشلّ إرادتها، ولا يمكنه أيضاً، أن يفرض علينا الاستسلام لاستلابِ العولمة التي حولت حياتنا إلى قوقعة، ولا لجعلنا نتقبّل الموت الذي باتَ ضيفاً ثقيلاً ومقيماً.
نرفض كلّ ذلك، حتى وإن كان تاريخ البشريّة كلّه، يعيشُ اليوتوبيا التي دعانا «ماركيز» إلى معاكستها، وخلق أخرى نتمكّن بها من منافستها.. نرفض حتى ونحنُ نرى دولاً لاهمَّ لها، سوى تطوير برنامجها النوويّ، وتحديث حقدها الأزليّ، متباهيّة بقدرتها، وبلحظةٍ تتضخّم فيها حيونتها، على إبادة كلّ الكائنات الحيّة، التي مازالت تتنفّس ولو قليلاً، في هذا الكوكب الذي وكأنّ العزلة جرّدته من الحبّ، ونفثت فيه أخطر ما لديها من سمومٍ عدائيّة.
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء15-6-2021
رقم العدد :1050