الثورة أون لاين -د. ذوالفقار عبود:
أكثر من (40%) من النفايات في الدول الأوروبية يعاد تصنيعها (تدويرها)، (60%) منها في ألمانيا، وتعالج الصناعات الألمانية سنوياً ما قيمته (500) مليار يورو من المواد الخام.
ويشكّل هذا المبلغ (45%) من تكاليف الإنتاج، و(18%) من الأجور فقط، فكفاءة الموارد والمواد الخام باتت ضرورة ملحة لضمان الرخاء الاقتصادي والحفاظ على البيئة، كما أن أحد العوامل الأساسية في المنافسة والثروة في القرن الواحد والعشرين سيكون القدرة على التعامل بذكاء مع المواد الخام والإنتاج بأسعار قادرة على المنافسة وخاصة أن الكثير من المواد الخام ستصبح نادرة وأسعارها سترتفع.
يوجد في أدراج البيوت السورية حوالي (5) ملايين هاتف محمول غير مستخدم، وتبلغ كمية الذهب الموجودة في كل طن من الهواتف المحمولة (60) ضعف كمية الذهب الموجودة في (1) طن من خام الذهب، هذا الأمر يمكن أن يشكل ثروة إذا ما أعيد تدوير الاقتصاد، والكف عن النظر إلى المواد الخام على أنها نفايات كما تحتوي أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية على كمية كبيرة من المعادن النادرة الثمينة، وفقط (16%) من النفايات لا يمكن إعادة تصنيعها.
تدوير الاقتصاد الجديد يرفع من كفاءة الاقتصاد، ويشجع على إعادة استخدام النفايات ويسهم في توفير المواد الخام الثانوية. فتجارة النفايات تجارة مربحة جداً، وأكبر مثال على ذلك هو شركة ألبا الألمانية، التي يبلغ حجم مبيعاتها السنوي (3.2) مليارات يورو، ويعمل لديها تسعة آلاف عامل في ألمانيا وفي (12) بلداً أوروبياً، إضافة إلى نشاطها في آسيا والولايات المتحدة.
يبلغ إجمالي إيرادات صناعة تدوير النفايات في ألمانيا (50) مليار يورو سنوياً، ومن المتوقع أن يتفوق حجم صناعة النفايات على حجم صناعة السيارات في ألمانيا، خلال السنوات العشر المقبلة.
في السنة الماضية 2020، استخرج الألمان سبعة ملايين طن من المواد الخام الثانوية من النفايات بيعت إلى المصانع، ما وفر (6) ملايين طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل حوالي (1%) من مجموع انبعاثات الغازات في ألمانيا.
إن حرق جميع النفايات من دون فصل النفايات الثمينة والمواد الخام يجب أن يتغير ابتداء من الآن ولا بد من إدخال تعديلات على القوانين تلزم مجالس المدن والبلدات بعدم حرق النفايات قبل استخلاص المواد الخام الثانوية منها.
خلال الأربعين عاماً الماضية، نجحت الصين بالتحول إلى “مصنع العالم”، وباتت قوة تصنيعية رئيسة تمد المجتمعات الأخرى باحتياجاتها، ويأتي في مقدمة أسباب ذلك: العمالة المؤهلة، والنجاح في تأسيس بنية تحتية جيدة وعصرية، وتبنّي مجموعة من السياسات الاقتصادية الجاذبة للاستثمارات الخارجية، والمشجعة لرؤوس الأموال الصينية على الاستثمار.
ومع هذا، فإن أحد أبرز العوامل التي أدت إلى هذا النجاح، ويتم غالباً تجاهلها في الأدبيات الاقتصادية، يعود إلى السياسات الصينية في مجال صناعة إعادة التدوير، والتي حولت الصين إلى قبلة العالم للنفايات القابلة لإعادة التدوير.
بدأ رجال الأعمال الصينيون منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي في استيراد المواد غير المرغوب فيها من مختلف الدول، وبأسعار زهيدة، ليتم إعادة تدويرها واستخدامها مرة أخرى في نشاطهم الصناعي. هذه العملية التي بدأت بهدف خدمة الصناعة الصينية، سريعاً ما تحولت إلى نشاط تجاري منفصل يدر الملايين ولاحقاً المليارات.
على المستوى الدولي، يتم تدوير (600) مليون طن من المواد القابلة للتدوير سنوياً، وتبلغ القيمة المالية الإجمالية للنفايات التي يتم تدويرها سنوياً نحو (200) مليار دولار أي ما يوازي الناتج المحلي الإجمالي لبلدان مثل البرتغال أو كولومبيا أو ماليزيا، وقد بات هذا القطاع جزءاً أساسياً في عملية التنمية المستدامة، ونحو (10%) من المواد المعاد تدويرها يستخدم في القطاع التكنولوجي.
باتت الصين حجر الزاوية الرئيس في تلك الصناعة، فخلال التسعينيات كان نصف صناعة الورق الصينية يعتمد على المواد المعاد تدويرها، وشكلت الخردة المستوردة ثلث إنتاج الصين من النحاس، وقد أسهمت تلك الصناعة التي امتدت إلى قطاعات متعددة في استيعاب جزء ملموس من قوة العمل الصينية بلغ نحو (1.5) مليون شخص، ودعمت (10) ملايين وظيفة في مجالات أخرى، حيث إن (31%) من الخردة الأميركية ترسل إلى الصين لإعادة التدوير.
الولايات المتحدة شحنت في عام 2016 أكثر من (16) مليون طن من السلع الخردة إلى الصين بقيمة أكثر من (5.2) مليارات دولار، وكل المواد البلاستيكية المعاد تدويرها في بريطانيا ترسل إلى الصين أو هونج كونج للمعالجة، والاتحاد الأوروبي يصدر نصف المواد البلاستيكية التي تم جمعها وفرزها ونحو (85%) من صادراته يذهب إلى الصين، بينما صدرت آيرلندا وحدها (95%) من نفايتها البلاستيكية للصين عام 2016.21:36
إن ازدهار صناعة إعادة التدوير في سورية سيضمن توافر مواد خام منخفضة الأسعار في الأسواق المحلية، وهذا أمر إيجابي للصناعات المحلية، إذ يمكن للنفايات إذا أحسن استخدامها أن تكون مدخلاً للصناعيين السوريين لإعادة التجربة الصينية وتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية.