الثورة أون لاين – سلام الفاضل:
“آهٍ من تباريح الحب! إنها لوحوشٌ من الأحزان ثائرةٌ، فكل راجفة من رواجف الصدر كأنها من حرّ الشوق ضربةُ مخلبٍ في القلب”.
هذا نمطٌ من التعبير عالٍ فريدٌ لا يشبه إلا صاحبه الرافعي الذي انقاد له البيان، فسبر به خفايا النفس الإنسانية، فاستخرج خبأها وما يمور في أغوارها، وأعاد خَلقَه سطوراً كأنها فلق الصبح، بل الشمسُ إنارةً مع أدنى تأمل!
فأسلوب الرافعي في تناوله لما خطّه من أدب وكتابات امتاز بأنه أسلوب شديد التفرد جمع بين رصانة الصياغة الكلاسيكية ورحابة الخيال الطليق، حتى عدّه كثير من النقاد من رواد ما عرف باسم “الشعر المنثور”، وخاصة في كتبه التي تعتمد على مجموعة من الخواطر الشعرية رفيعة الصياغة، ونظراً لما تمتع به الرافعي من مكانة مهمة في الأدب العربي، وما امتازت به منجزاته الإبداعية من حُسن سبك، وبلاغة، وتميّز فقد صدر مؤخراً وضمن سلسلة “ثمرات العقول” كتيب حمل عنوان (أضاميم من أدب الرافعي)، وهو من إعداد: د. منيرة فاعور.
بدأت فاعور كتيبها بمقدمة عرضت خلالها نبذة عن حياة الأديب مصطفى صادق الرافعي، إذ أشارت أنه من مواليد عام ١٨٨٠ في قرية بهتيم في محافظة القليوبية، وهو سوري الأصل، مصري المولد.
نشأ نشأة علمية دينية، واتصف بالدأب والطموح، وكان عزيز النفس، أبيّ الروح.
ظهر نبوغه في اللغة العربية عندما كان في المرحلة الابتدائية، وكان مكباً على القراءة في معظم الأوقات، فكان يقرأ في أول أمره كل ما يقع تحت يديه، ثم قرأ للأفغاني، والشيخ محمد عبده، وكتب غوستاف لوبون، وقرأ كتب الجاحظ، وكليلة ودمنة للمقفع.
كان الرافعي أول أمره شاعراً، ثم تحول إلى الكتابة؛ فبدأ بكتابة بعض المقالات لتتوالى لاحقاً مؤلفاته النثرية والنقدية. عمل كاتباً في بعض المحاكم الشرعية بطلخا، وطنطا إلى حين وفاته، واشتغل بالتجارة أيضاً.
توفي الرافعي بطنطا في العاشر من أيار عام ١٩٣٧، بعد أن ترك مؤلفات كثيرة في الشعر، والنقد، والنثر، منها:
(تاريخ آداب العرب)، (على السّفود)، (المعركة)،… وسواها.
* حديث القمر..
يشتمل كتيب (أضاميم من أدب الرافعي) على ثلاثة كتب للرافعي أولها كتابه (حديث القمر)، الصادر عام ١٩١٢،
الذي يُعدُّ أول كتب الرافعي النثرية، والذي قيل إن ملهمته في هذه الأحاديث شاعرة التقاها في لبنان في عام ١٩١٢، وأعجب بها أيما إعجاب بعد حديث طويل دار بينهما.
والكتاب هو مجموعة خواطر مرسلة في أشياء متباينة، والحديث فيها موجّهٌ إلى القمر، وهو سجلٌ لكثير من الخواطر حول: الإنشاء، والبلاغة وعلومها، والطبيعة، والحب، والفقر، والغنى، والإيمان، والإلحاد، والزواج غير المتكافئ بين الزوجة الشابة والزوج الشيخ، وغير ذلك.
* رسائل الأحزان..
أما الكتاب الثاني الذي تناوله الكتيب فكان (رسائل الأحزان)، وهو مجموعة من الرسائل بلغت خمس عشرة رسالة موجهة من صديق قد يكون وهمياً إلى الرافعي.
بدأها بمقدمة، ثم مقالة حملت عنوان (الذكرى)، فقصيدة بعنوان (بعدما كنتَ وكنّا)، لتبدأ بعدها رسائله رسالة فرسالة وهي محملة بمعاني الحب والشوق والجمال والأحزان، وهو في ذلك كله ينظر إلى العلاقة بين الرجل والمرأة نظرة بعيدة الغور تحمل في طياتها بُعداً فلسفياً، قد يجعل القارئ يعيد استلهام معاني عباراته غير مرة ليصل إلى المراد منها، وكل ذلك بأسلوب “مشرق مبين، وبلاغة مرهفة، ونمط من التعبير ينسب إليه، ففيه من روحه ومن ثقافته ومن مزاجه الخاص”.
* أوراق الورد..
و(أوراق الورد) هو عنوان الكتاب الثالث الذي اشتملت عليه هذه الأضاميم، وهو أحب كتب الرافعي إلى نفسه، وأقربها إليه، صدر عام ١٩٣١، وهو عبارة عن طائفة من الخواطر المنثورة في فلسفة الجمال والحب، أنشأها الرافعي ليصف مرحلة من مراحل عمره الموجع، يتناول فيها علاقات المحبين من إقبال وإدبار، ورضا وغضب، وفرح وكرب، وعتاب وصدّ، وتذليل واستعطاف، وغير ذلك مما تفيض به أحوال العشاق.
يقول الرافعي عن كتابه هذا: “إنه جمع في أوراق الورد رسائلها ورسائله، أما رسائله فنعم على سبيل المجاز، أما رسائلها فلا أعلم موضعها من الكتاب إلا رسالة واحدة، وجزازات من كتب، ونتفاً من حديثها وحديثه”.
بلغت فصول الكتاب واحداً وخمسين فصلاً من النثر والشعر، حمل كل فصل فيه عنواناً مستقلاً، وتحت كل عنوان طائفة من المعاني الثرية يصوّر فيها خواطره ومشاعره في الحب والحياة. ولم يخلُ الكتاب من بُعد فكري ومنزع فلسفي يقوده بيان رفيع وإحاطة واسعة لا تُعرف لغيره.
وبقي أن نشير ختاماً إلى أن هذه الأضاميم تقع في ١١٠ صفحات من القطع المتوسط