عندما يسافرُ البحر!

 الملحق الثقافي:قصة: وجيه حسن:

خيطٌ مطريٌّ ترامَى على ساحلِ البحر، حصل جفافٌ بعده، بل غرق السّاحل في البحر؛ الزّمن نام نوماً أبديّاً، أزهار الفرح تساقطت، تحوّلت إلى حجارة صلدة، النفوس صارت قطع جليدٍ صخريّ! تناهَى نبأ من أعماق البحر يقول:
– فُقِئت عينا “السّبُع”، جرّحه الزّمن الآتي من الأعماق، لم يدرِ “السّبُع” سبباً مقنعاً كي تُفقَأ عيناه، ذنبه أنّه كان طيّباً، و”الطيّب غبيٌّ في أيامنا”، تأكله “الغربان”، وهو مصلوبٌ إلى خشبة العمر.. أورادٌ زاهية اللون، صار وجهها بلون الليل! صوتٌ خشن ترامَى من وراءِ صخرةٍ جاثمة قرب السّاحل:
– مَنِ القادم؟!!.
– إنسانةٌ تبحث عن صنوّ روحها، عن نفسها، عن فرحها، عن “سبُعِها”، عن حروفِ أبجديّته!
ارتفع صوتٌ مبحوحٌ من وراءِ سُحبِ الهمّ يقول:
– مَنْ أنتِ أيتها الصبيّة، ماذا تبغِين؟.
– أنا زهرة العمر يا سيّدي، أبحث عن “ورقة مُونِقة” سقطت منّي، لعلّي أصنع منها تاجاً ذهبيّاً..
– لا “ورقة” لدينا، لا أغصان، لا بستان، ابحثي في أعماقكِ عن “الورقة”!.
– أعماقي؟!. أعماقي صحراءٌ مقفرة، لا نباتَ فيها ولا مطر..
– إذن مَنْ أنتِ؟
– سنديانةٌ ضائعة، تبحثُ عن أرضٍ مفقودة.. سُرِقت الأرض، صار الحزنُ أرضاً، عكّازتي تضرب في دروب الحزن!
– حزنُك عاصفة، لكنّ العصافير تغرّد في ليلِ الهمّ!
بغتةً مرّ أمامها شيخٌ طاعنٌ، سألته:
– يا شيخُ، بالله عليك.. هل رأيتَ أرضاً تجمع تربتها، شجرَها، بحرَها، وتسافر؟!
بدهشةٍ واستنكارٍ، ردّ الطاعن:
– كلامُك غريبٌ عجيب يا صبيّة!. خرافة ما يُقال. هل سقط البَرَدُ على لسانك، فجعلكِ تلفظين كلماتٍ صمّاء، وحروفاً خشبيّة؟!
– يا شيخُ، صار الحزن ساحاتٍ للعبِ الخيل، نبتَ الجفاف حقيقة لا حلماً.. رماداً صار الكون.. في ضياعِه واختفائِه، غاب فرحي..
بطريقةِ “المونولوج”، نبسَ الشيخ لنفسه: “هراء ما أسمع.. صبيّة في شرخ الصِّبا، تقول كلاماً ليس فيه لون الفرح، أو وهْج الرّبيع! لماذا كلّ هذا التّخريف إذاً”؟!
قالت المُلتاعة:
– يا شيخُ، سقط الفرح في كهوفِ الأبديّة، رقدَ، متحجّرةً صارت عيونه.. لم تعد هناك غيوم بِيض في ذاكرة الزّمن، فالزّمن ارتحلَ هو الآخر واختفى!
بالقرب منها، مرّ عابرُ سبيل، كان يلملمُ أشياء تافهة، خردواتٍ عتيقة، تمتم:
– الزّمن قاهر.. العمر سَراب.. الحياة مطرقة وسندان.. الحياة “فالصو”!.
حاول عابر السّبيل خطف الصبيّة المُلتاعة، وتخفيف بعض مواجعها، جليدياً وداكناً كان وجهها، ووجه الكون كذلك! عادت بها ذاكرتها إلى الوراء، تذكّرت “غُصنَها” الرّطيب.. “ساحلَها” الفسيح، سندَها القويّ، عصفت بقلبها كلماتُه قبل الرّحيل والاختفاء:
– سأجمع لكِ وهج الشّمس وضوءَ القمر، لننعمَ معاً بالدّفء والنّدى، ونعيش شهد العمر، وعسل اللقاء – لقاء الرّجال – أجابته يومها:
– وجودُك قمري، شخصُك مطر..
بطريقِ التّداعي، عصفت بها ذكرياتٌ وذكريات.. لم تعد تتذكّر إلّا “سبُعَها”، الذي اختفى، الأغلى من كنوز الدّنيا، حيث صلبُوه إلى خشبة الفَقْد، بلا أدنى ذنبٍ أو أيّة جريرة!
رجل رثّ الهيئة كان يطوف المكان، يتقرّى وجهَ الصبيّة المَألُومة، يقول بكثيرٍ من الأسَى والألم:
– يا صبيّة، قلبي هو الآخر مدخنة غضب، وجهي كوجهك مُترَعٌ بالآهات والصّرخات..
لحظتها، كانت مملوءة بِشَكَاةٍ من هذا الزّمن المالح.. بشيءٍ من رحمةٍ وتلاحم، رمقتْه.. لكنّها لم تنبس بكلمة.. عيناها تلاحقان آخر رمح للشَّمس وهي تعلن الرّحيل..
من براكينِ قلبها المُعنّى نبت كلام باهظ بائس: “جسدُه خارطة الكون، داسته أمواج العهر، غيّرت وجوه المدن، ومَفارِيح الحياة”..
صورته بآخر لقاءٍ خلق بذاكرتها أسئلة مبعثرة، ضيّعتها ريحٌ مجنونة، وبوجعٍ دفين قالت بِسرّها: “.. غيابُه يومذاك لَملمَ بقايا الفرح منْ وجوه الأطفال؛ لحظتها كانت الدّنيا داكنة، والبحر الأزرق المنظور، سديماً وضباباً وسواداً!.
يوم أنبأها أحدهم بالنّبأ الصّاعق، وصلت السّاحلَ البحريّ.. وجدت في الأمواج المتلاطمة كلّ مواجعها.. المدّ الزّمنيّ كان قد غمرَ البعدَ الآخَر للكون.. و”الورقة الذهبيّة المُونِقة”، كان الموجُ الغادر قد حملها عبر التيّارات البحريّة النّشِطة..
صاح الواقف عند المَرْقب:
– عند الجَزْر تضيع الأشياء.. القريب يصبح بعيداً.. النّور يغدو ظلاماً دامسَاً..
أردف:
– مَنْ يردِ الإبحار، يسبقْ طلوع الشمس..
قالت الصبيّة الضّائعة، والألم يحاصرُها كجزيرة:
– صفحك.. أيعود المَدّ، والسّفن الرّاحلة؟!
– لا أدري.. فالدفّة في الإعصار، قد تخونُ مهارة القبطان، والبحر يطوي في أعماقه الأسرار…
صمتٌ.. صمتٌ.. صمت …

التاريخ: الثلاثاء29-6-2021

رقم العدد :1052

 

آخر الأخبار
"رحمة بلا حدود " توزع لحوم الأضاحي على جرحى الثورة بدرعا خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار "أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً الرئيس الشرع  وعقيلته يلتقيان بنساء سوريا ويشيد بدور المرأة جعجع يشيد بأداء الرئيس الشرع ويقارن:  أنجز ما لم ننجزه الكونغرس الأميركي يقرّ تعديلاً لإزالة سوريا من قائمة الدول "المارقة"   أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق