الملحق الثقافي:إلهام سلطان:
كتبتُ عن سورية مجلّدات كثيرة، ونظّمت فيها الدواوين التي تمجّد إﻧﺴﺎﻧﻬﺎ وحضارتها وفنونها وابتكاراتها وطبيعتها، ووجدتُ أعظم ما قيلَ فيها، يتلخّص في الجملة التالية:
«في سورية للتاريخِ صوت، وللترابِ أريج الحضارات.. تحت أيّ حجرٍ فيها، تجدُ التاريخ يتكلّم، وحكايات الفنون والإبداعات.. إﻧﻬﺎ ﺳﻮﺭية الفنّ والتاريخ والحضارة والتراث، والإنسانيّة والبدايات»..
جُسِّدت هذه الكلمات، في معرضٍ بثقافي المزة، وعنوانه «دمشقيات».. معرضٌ تفوحُ من ببن لوحاته رائحة الأرض، الحجر، البشر، التراث، المهن، الحكايا.
لوحاتٌ تتربّع على جدرانِ المركز، تبوح بأسرارِ الذاكرة، وترسم أصالة الهويّة التي كانت ومازالت، رسالة الإنسانية والحضارة..
لوحاتٌ واقعية تضمُّ الترامواي، حارات دمشق القديمة، بجدرانها، وقبابها ومقرنصاتها، وأزقّتها، وأوابدها، ونوافذها، بفلّها وياسمينها ونارنجها..
أحياءٌ للمهنِ القديمة، مثل المبيّض، والنحاس، وبائع العرقسوس، واللوحات بعضها تعبيريّ عن سورية الذاكرة والتاريخ، وبعضها يجسّد القيم الروحية والإنسانية، من خلال بعض العبارات الموجودة على أعمدة تدمر: «لا تشتم إلهاً لا تعبده».
منها أيضاً ما يجسّد المرأة السورية، برمزيةِ كفاحها وصبرها ورسالتها للسلامِ والفنِّ، بالإضافة إلى أشياءٍ كانت وانقرضت، كالقنديل والفانوس والكراسي القديمة، وأطباق القش والجرّة، وعازف الربابة. لوحاتٌ تضمُّ مدارس فنيّة متعدِّدة، بين الواقعيّ، والانطباعيّ، والتعبيري، منها بالزيتيّ والأكرليك، ومنها بالفحم وقلم الرصاص.
الفنانون المشاركون من أعمارٍ مختلفة، وقد نَظِّم هذا المعرض، الذي يمكن أن يقول من يراه: دمشق ليست مدينة حجارة، بل فضاءٌ روحيّ وإنسانيّ.. نظّمه، الفنانة التشكيلية «نجوى الشريف».
يقول «نجيب محفوظ»:
سورية ليست دولة تاريخيّة.. سورية جاءت أولاً، ثم جاء التاريخ»..
فكم مهمّتنا كبيرة في المحافظة على هذا الكنز الإنسانيّ، سواء من خلال القلم، أم الريشة، أم الإزميل.. سورية هويّتنا ووجودنا وتراثنا ورسالتنا وحضارتنا وخلاصنا.. ذاكرة الإنجاز البشريّ، الذي يُبقينا عليها، نقدّس ترابها ونورّث حبها الأبديّ للأجيال، جيلاً بعد جيل..
التاريخ: الثلاثاء29-6-2021
رقم العدد :1052