افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
مع الاعتداءات الأميركية الآثمة المُتكررة، بَدءاً من العدوان على جبل الثّردة في دير الزور وما قَبله، مروراً بعدوان الشعيرات وما أعقبَه من اعتداءات مُتنقلة من الرصافة ومُحيط التنف إلى القنيطرة، وصولاً إلى العدوان الأخير الذي استهدفَ مناطق سكنيةً في أقصى ريف دير الزور الشرقي ومناطق حدودية سورية – عراقية، بات من الثابت أنّ الولايات المتحدة ما زالت تتأبط أكاذيبها وادّعاءاتها السخيفة، وصار من المُؤكد أنها غير مَعنية بتصحيح أخطائها، بل مُندفعة بقوّة دوافع الغطرسة لارتكاب حماقات إضافية تُعقد الوضع، وتَقودها لخطوات مُتهورة أخرى ستَرتد عليها.
مَحطات العدوان الأميركي المُتكاثرة، مع أوباما وترامب وبايدن وأسلافهم، إذا كانت تُؤشر لحالة وتَعكس استراتيجية واحدة لا تتبدل رغم تَبدل الإدارة “بين ديمقراطية وجمهورية”، فإنما تُؤشر لوجهة ومسار واحد لا تَحولات فيه سوى التباين بين هذه الإدارة وتلك في مَقادير الحماقة والتّهور وبمقدار سَوْقِ أكبر كَمية من المُسوغات المُفبركة القائمة على تَفوق واشنطن بصناعة الكذب.
مَحطات العدوان الأميركي في ذاتها، إضافة إلى ما تَعكسه من مُؤشرات، تؤكد ممارسة واشنطن فعل الكذب وسلوك الغطرسة، فإنها تَعكس حالة تُؤشر بوضوح إلى مَقادير الإفلاس والعجز التي ينبغي قياسها في هذه الأثناء بسبب كارثية ما تَنطوي عليه من مَخاطر لا تُهدد المنطقة فقط بل العالم الذي تَفتتح إدارات البلطجة الأميركية معه جبهات مُواجهة مُتعددة، ربما تتزايد غداً لأسباب تتصل بطبيعة النظام الأميركي المُتغطرس، ولأسباب أخرى تتصل بفشل مَشاريعه التي تُقاومها الأطراف المُستهدفة، وهو ما لا تَقبله الرؤوس الحامية ويَدفعها للتهور وارتكاب الحماقات في كل الاتجاهات.
هناك في الولايات المتحدة من لا يَرى في ذلك حماقات تُرتكب ولا اعتداءات غير مَشروعة تجري، بل حاجة استراتيجية ورد فعل طبيعي ورسائل هامة يتم توجيهها للأطراف التي تتصدى، تُقاوم، أو تَرفض الخضوع وتتنمر على أميركا حسب قواميس الغطرسة.
وهناك في الولايات المتحدة من يَرى في ذلك خلافاً لكل ما يراه الآخرون لجهة أنّ تَوجيه ضربات جوية – أي العدوان – ضد الذين يُناهضون السياسات الأميركية ويَجعلونها بمُقاومتهم تُخفق مرةً بعد مرة، إنما يُنمي البيئة الطبيعية التي خَلقتها واشنطن، وهو أمرٌ ضروري لضمان استمرارها وبقائها، بل يَكفل ربما مُضاعفة احتمالات تَمددها ويُرجحها، فلا معنى – برأي هؤلاء – لفوائض ما تَملك أميركا من عوامل القوّة ودوافع الغطرسة ما لم تَبقَ البيئة العدائية التي تَخلقها في حالة تطور ونمو مُستمرين وصولاً لإخضاع العالم لإرادتها، بل هناك من لا يرى هدف الهيمنة يتحقق لأميركا إلا عبرَ هذا المسار!.
المُفارقة الكُبرى، ليست في اعتبار أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي العدوان على سورية والعراق رد فعل ورسالة هامة، والمأساة الأكبر ليست في دفاع البيت الأبيض عن قرار بايدن بشن العدوان على أنه قرار قانوني يأتي في إطار الدفاع عن النفس، إنما في صَمت والتحاق القارة العجوز، وباصطفافها خلف واشنطن، وفي قلق الأمم المتحدة ودعوتها إلى ضبط النفس وبعدم تَوصيفها ما جَرى بالعدوان وتَسميته “ضربات جوية”، بالتأكيد سيكون لها في لغة الأمم المتحدة تَسميات أخرى لو كانت قذائف صاروخية مُقاومة تَستهدف الاحتلال الأميركي في قواعده ومُرتزقته كجيوش بديلة يَستخدمها باعتداءاته ومخططاته الشريرة!.
ربما صار من العَبثية أن يُفتتح نقاش مع أميركا حول خطابها وممارساتها ومُفرداتها ( رد فعل، رسالة هامة، قرار قانوني، دفاع عن النفس .. الخ )، غير أنه من غير المَقبول -بالمُطلق- أن تذهب الأمم المتحدة إلى ما ذَهبت إليه من حديث لا مَوقف فيه، ولا طعم له إلا طعم الخضوع والتبعية لأميركا، ولا رائحة تَنبعث منه إلا رائحة العفن التي لن تتبدد وتتبدل بغير إصلاحات جذرية تُحررها من هيمنة ومُصادرة واشنطن لها، هي بالتأكيد مَسؤولية جماعية تتحملها الأطراف الدولية، جميع الدول الأعضاء بالمُنظمة الأممية.
بانتظار فعل الإصلاح للمُنظمة الدولية الذي قد يَمنحها دورها الحقيقي في حفظ الأمن والسلام الدوليين – وهو ما سيَتأخر كثيراً – إذا كان واضحاً أنّ مشاريع الغطرسة الأميركية ماضيةٌ رغم التعثر والتكسر لمزيد من التصعيد والتدخل والعدوان والعبث، فإنّ الشعوب الحيّة المُقاومة والدول المُتمسكة بسيادتها واستقلالها لن تتخلى عن واجبها في التصدي وجَبْه العدوان وردع منظومته، بل ستَجعل مشاريع الغطرسة تصل لنهايات باليَقين نَقطع أنها مُناقضة تماماً للنهايات التي ما زال يَتوهمها البيت الأبيض والكونغرس والبنتاغون و”أيباك”.