“مرحلة القطب الواحد انتهت والعالم يتغير بسرعة وبشكل جذري”، هذه الحقيقة أكدها مجدداً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والولايات المتحدة تدرك ذلك جيداً، ولكنها حتى اللحظة تخطئ في قراءة المتغيرات الدولية الحاصلة، وتخطئ أيضا في حساباتها وتقديراتها، ربما لأنها لا تريد التسليم بواقع هذه المتغيرات، وتحشد حلفاءها لمساعدتها بإعادة ضبط معادلاتها الإستراتيجية بما يمكنها من محاولة الحفظ على مكانتها ودورها المهيمن على العالم.
انجرار الشركاء والأتباع الغربيين بشكل أعمى وراء السياسة الأميركية، يعطي واشنطن قوة دفع للمضي بسياستها المدمرة من دون التفكير بعواقب هذه السياسة، والتي سترتد حكماً على مصالح الدول المرتهنة للقرار الأميركي، حيث كفة موازين القوى الجديدة تميل لمصلحة ما تعتبرهم أميركا خصومها وتضعهم في خانة “الأعداء”، وعليه فإن الرسائل الأميركية الساخنة، المغلفة بطابع التصعيد العسكري والسياسي (المناورات العسكرية الاستفزازية في البحار والمحيطات، والابتزاز بطاقة قصوى عبر المنظمات الدولية) لن تسعف أميركا وأتباعها في رد الاعتبار لنظام القطب الأوحد، لأن النتائج تأتي مخالفة لحسابات صانعي ومخططي الحروب لدى الغرب.
المتابع لتطورات الأوضاع الدولية السائدة يمكنه ملاحظة فشل سياسة العسكرة الأميركية، حيث تعزيز قدرات “الناتو” دفعت الدول الأخرى المستهدفة لتثبيت معادلات أمن جديدة من خلال تطوير قدراتها الدفاعية، فباتت رادعاً قوياً يُحسب لها ألف حساب، كذلك إنشاء التحالفات الدولية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وتقسيم العالم لـ”أصدقاء وأعداء” وضعت الدول المضيفة للقوات والقواعد العسكرية الأميركية في مأزق أمني خطير، وهي أول من سيدفع الثمن بحال ارتكبت الولايات المتحدة أي حماقة متهورة تؤدي لنشوب حرب عالمية ثالثة، كذلك فمن يراقب مشاهد الانسحاب المذلة لأميركا وحلفائها الأوروبيين من أفغانستان يدرك مدى جسامة الفشل الاستراتيجي الذي حصدته الولايات المتحدة بعد عشرين عاماً من احتلال هذا البلد، وربما يكون طلب جو بايدن من عدة دول مجاورة لأفغانستان استضافة آلاف الأفغانيين الموالين لواشنطن خوفاً على مصيرهم عبرة لكل عميل مرتهن يعمل لحساب أجندة أميركا في أي بلد تحتل جزءاً من أراضيه.
تصرفات الإدارة الأميركية غير محسوبة العواقب، تدفع العالم للانزلاق نحو نزاعات وحروب جديدة، هي تعمل على إعادة إحياء “داعش”، بالتنسيق مع تحالفها المزعوم لمحاربة الإرهاب، وتتمادى بإشهار سلاح العقوبات بوجه الدول الرافضة لسياساتها، وتحشد أتباعها لمواجهة الصين، وذراعها “الناتو” يعزز تواجده العسكري بالقرب من الحدود الروسية، وهي أيضا تخرق القوانين والمواثيق الدولية، وتناور على الحبال لإجهاض محادثات “النووي الإيراني”، وتستمر في التلويح بعصا قوتها المفرطة لترهيب الدول الأخرى، ولتمرير مخططاتها وفرض مشاريعها الاستعمارية على حساب أمن واستقرار الشعوب، هي باختصار تتصرف كنظام مارق وخارج عن القانون، ولكن رغم ذلك وصلت اليوم إلى حالة الإفلاس والعجز، هي فقط تبحث عن مخارج تؤمن لها سبل الحفظ على مصالحها، فالقوى الدولية الصاعدة هي من باتت تتحكم بخيوط اللعبة من أجل تكريس نظام عالمي جديد تحكمه قوانين الشرعية الدولية والمواثيق الأممية.
من نبض الحدث – بقلم أمين التحرير – ناصر منذر