بمناسبة مرور 77 عاماً على رحيل أسمهان تجدد الحديث عن دور محمد القصبجي في تعزيز حياتها الفنية، لأنه قدم لها أروع ألحانه الخالدة وفي مقدمتها (ياطيور، فرق مابينا ليه الزمان، امتى حتعرف امتى ، اسقنيها بأبي وأمي، ليت للبراق عيناً، أنا اللي أستاهل، هل تيم البان وغيرها).
ومحمد القصبجي (القاهرة 1892) هو أستاذ الأساتذة في التلحين والعزف على العود (ومن تلامذته محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وسواهما..).. وبعض كبار الموسيقيين والنقاد يعتبرونه أكبر مجدد بعد سيد درويش، وكان له فضل كبير في وضع الأغنية بشكلها النهائي الذي ازدهر في عصر الغناء الذهبي.
ومنذ العشرينات، أدخل إلى فرقته الموسيقية آلتين غربيتين هما التشيلو والكونترباص، وقدم لسلطانة الطرب منيرة المهدية أشهر الأغنيات والأوبريتات المسرحية. وهو الذي أقنع أم كلثوم بالتحول من الإنشاد الديني إلى الغناء، والوقوف على المسارح الكبرى، ولقد لحن لها أكثر من 70 أغنية .
وبعد أن لمعت أسمهان بألحانه منذ بداياتها في منتصف الثلاثينات أرادت أم كلثوم أن تحتكر ألحانه، في ظل المنافسة التي كانت قائمة بين المطربتين، لكن القصبجي رفض طلبها، وبعد رحيل أسمهان رفضت أم كلثوم الغناء من جديد للقصبجي ردا على موقفه، ومن ثم قامت بتهميشه ومحاربته ورميه خلفها كعازف عود في فرقتها، وحتى لايخسرها، ومن أجل لقمة عيشه كما كان يقول، رضخ لواقع الأمر، واستمر على هذه الحال حتى رحيله عام 1966 دون أن تأخذ منه أي لحن، طيلة 22 عاماً، تماماً كما أصرت على موقفها من ألحان فريد الأطرش، بسبب نجومية أسمهان الساطعة أيضاً، وربما لهذا لقبوها بالمستبدة، ويحق لنا أن نتساءل: هل استمرارها في موقفها، كان بقرارها الفردي أم باتفاق مع بعض المحيطين بها، وبعبارة أخرى هل تعرض القصبجي لمؤامرة، وكيف تتمسك أم كلثوم بموقفها، بعد أن قدم لها لحنه الأخير (رق الحبيب عام 1944) الذي هو برأي نقاد الموسيقا، أحد أروع الألحان العربية في القرن العشرين.
وهل استأنفت أم كلثوم التعاون مع السنباطي لأن ألحان الأخير لم تنجح إلا بصوتها، وبالتالي لم تشكل خطراً عليها، بدليل أن ألحانه التي قدمها بصوت أسمهان تأتي من حيث الانتشار، في مرتبة رابعة بعد ألحان فريد الأطرش والقصبجي ومحمد عبد الوهاب.. والمعروف أن بعض جمل السنباطي اللحنية مقتبسة من ألحان القصبجي.
رؤية – أديب مخزوم