الملحق الثقافي:آنا عزيز الخضر:
من أكثر المجاﻻت الحياتية تعقيداً وصعوبة، تلك التي نعيش همومها وهي الأبسط، فهل يعقل أن يصل الشاب إلى درجةٍ يشعر فيها، بأن الزواج قد بات من الأحلام صعبة التحقّق؟!..
هي مسألة جداُ مألوفة في الحياة، ورغم ذلك فإن الأصعب، والأكثر مشقّة لدى الشباب، هو السائد، وذلك نتيجة الوضع الاقتصادي، الذي حاصرهم في كلّ الاتجاهات، من أبسط أمور الحياة، إلى أصعبها.
إنه المحور الأساسي الذي دار في رحاه، عرض «الزائر القادم من اللاذقية الى دمشق»، وقد قُدّم على صالة مسرح الحمراء .
العرض عن نصّ الكاتب الروسيّ «نيقوﻻي غوغول». إعداد وإخراج، الدكتور «محمد اسماعيل بصل»، ويدور حول هموم الشباب ومشاكلهم، وصعوبات الحياة التي قلبت حياتهم رأساً على عقب، ما جعل الأحلام بالنسبة لهم، هي الخارطة التي توجّه خطاهم.
كلّ ذلك، كان وفق أسلوبٍ فنيّ جذاب، قدّم فكرته بكثيرٍ من السلاسةِ والإقناع والواقعية..
حول العرض وأسلوبه، وحلوله الإخراجية، وتقديم الفكرة بشكلٍّ فنيٍّ جديد، وعن آليات العرض وعلاقاته، وطبيعته الاجتماعية التي طرحت مشاكل كبرى، تحدّث الدكتور «محمد اسماعيل بصل»، قائلاً:
«عندما تخيّرنا نصاً، كتبه الروسي «نيقولاي غوغول» قبل مئتيّ عام، كنا نعرف أننا أمام عملٍ شاق ومُضنٍ، يبدأ بمرحلة الإعداد ومحاولة ابتكار أشكالٍ جديدة للفرجة، تتناسب مع الظروف التي يعيشها إنسان هذا العصر، وطرح مقاربات تلامس جوهر الصراع الذي يعيشه هذا الإنسان، ليس على مستوى البعد الاجتماعيّ، بمشكلاته الشخصية وحسب، وإنما على المستوى السياسيّ العام، الذي يشهد صراعاتٍ وصدامات قاسية، بين أقطابٍ كبرى، يحاول كلّ قطب منها أن ينتصر بمفرده، ويعيد أمجاد هيمنة القطب الواحد الذي عرفته نهاية الثمانينيات، وتسعينيات القرن المنصرم، أو أن تتم تسوية يتقاسم فيها الأقطاب النفوذ والسيطرة، وحتى ذلك الوقت، فإن السياسة الدولية هي سياسةٌ دمويّة، لا وجود فيها للإنسانية البتة، وبالتالي فإن التوجه إلى إنسان هذا العصر المأزوم، بأزماتٍ عاصفة ومتعددة، عبر خطابٍ مسرحيّ، يجب أن يكون موضوعياً وعميقاً، آخذاً بالحسبان مجمل القضايا الفردية والاجتماعية، التي تعيق تطور المجتمعات وازدهارها..
وليس مصادفة أن يقع اختيارنا على مسرحية الزواج لـ «غوغول»، فالنصّ عالميّ بامتياز من خلال قابليّته للمثاقفة، وسهولة تحميله مجمل المشكلات، الاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة والسياسية، التي يمرّ بها الإنسان عبر الأزمنة والعصور، فالتيمة الكبرى التي ينطوي عليها النصّ، هي تيمة «الزواج»، وعندما نقول الزواج، فإننا نستحضر مباشرةً الاحتفال والاحتفاء، ومظاهر الفرح وطقوس الشعوب وعاداتهم في تقديم هذه المظاهر، مع كلّ ما يتقدم ذلك، ويتأخر عليه، من مشكلاتٍ تتعلق بحياة الأزواج.
يعدُّ النص الذي كتبه «غوغول» عام ١٨٤٢ من روائع المسرح العالميّ الكلاسيكيّ، إنْ على مستوى المحتوى، وإنْ على مستوى الشكل، ولكن انطلاقاً من فهمنا بأن المضمون يتداخل مع الشكل، ولا يجوز فصل أحدهما عن الآخر، لأن كلّاً منهما متضمن للآخر وباث له، عمدنا إلى اجتراح حلولٍ بصريّة، تتناسب مع طبيعة النصّ الذي صار بين أيدينا، ولجأتُ إلى كسر قواعد العرض الكلاسيكيّ، وتحويله إلى عرض حداثوي، ينهج أسلوب المسرح التجريبي، والمسرح داخل المسرح، إذ إن هذا المنهج يسمح لنا بالتوجه إلى المتفرج مباشرة، ومن دون قيودٍ صارمة، ومخاطبة عقله واستثارته، ومطالبته بالتدخل وطرح وجهة نظره إزاء ما يرى.
ومن الطبيعي أن يسأل سائل: لماذا تمّ اختيار نص «غوغول» طالما أن ثمّة إعداداً كبيراً سيُنجز، ومنهجاً إخراجياً مختلفاً سينفّذ؟!..
في الحقيقة، إن نص «الزواج» كما كتبه «غوغول» مغرٍ لأي مخرج، لما يحمل في ثناياه من حدثٍ بسيط، وحبكةٍ مسرحيّةٍ تنساب انسياباً سلساً، مع التصاعد الدراميّ، وتطور بناء الشخصيات، بالإضافة إلى اللمسة السحرية في صياغة كوميديا الموقف، وروح السخرية المهيمنة على أرجاء النصّ برمّته.. كلّ هذا، جعلنا نعتمد نص «غوغول»، وإن حدث هناك تغيير في بعض مصائر الشخصيات، وسماتها وأسمائها وبعض أبعادها النفسية والاجتماعيّة، فهذا يعدُّ في صلبِ عملية الإعداد، التي لا ينجو منها أيّ نصٍّ مسرحيّ، حتى لو كان المخرج كاتب النصّ نفسه.
وعن علاقة العرض بواقع الحرب، قال الدكتور «محمد إسماعيل بصل»:
«إن موضوعة الحرب، والآثار النفسيّة والاجتماعيّة، ليست غائبة عن عرضنا، ولكنها غير مقحمة، ولا طاغية، فمن خلال علاماتٍ محددة، ميزنا زمن الحرب، عن زمن ما بعد الحرب، وانطلقنا بالزمن سريعاً، وأوغلنا في اختراقه، لنصل إلى عام ٢٠٣٠ ويصبح عنوان مسرحيتنا «الزواج سنة ٢٠٣٠..
ربَّ قائل يقول: لماذا عام ٢٠٣٠؟!.. هو هروبٌ من الواقع، وعدم الجرأة في طرح سلبيات الأيام الراهنة؟!.. الحقيقة إننا طرحنا سلبياتِ ما نعيشه هذه الأيام، من خلال طرق أبواب المستقبل، ومحاولة استشراف ما فيه، ولم تكن الصورة وردية البتة، فالعالم كلّه يشهد تطورات ونزاعات مدهشة وفظيعة، وكلّنا متأثّرون، شئنا أم أبينا، ومهمة المسرح، هي وضع اليد على الألم، ومحاولة كشف أسبابه لتجاوزه، وليست مهمة المسرح، مسخ الواقع وتقديمه بصورة خادعة وطوباوية، لنقول للناس: أنتم بخير، فاغرقوا في عتمة الصالة وانبهروا بإضاءةِ الخشبة، وإياكم أن تتحركوا باتجاهها، أو تحاولوا الصعود عليها، وتوجيه خطابكم أنتم، وحكايتكم أنتم… هذا هو المسرح الذي نؤمن به، ونسعى لتكريسه في حياتنا»..
التاريخ: الثلاثاء27-7-2021
رقم العدد :1056