الثورة أون لاين – أدمون الشدايدة:
لطالما كانت العروبة بمفهومها الواسع من الثوابت الرئيسية التي يتبناها الفكر والوجدان السوري ويواصل التركيز على انعكاساتها على المدى القريب والبعيد، لما تشكله من هوية انتماء للوطن والمحيط والمجتمع الذي حاول البعض ضربه بعرض الحائط في خضم الأحداث المأساوية التي عصفت بسورية على مدى أكثر من عشر سنوات من عمر الحرب الإرهابية عليها.
فالعروبة كانت في مراحل سابقة معرضة عن قصد لكثير من الهجوم ومحاولات التغيير في مفاهيمها والسعي للخروج بمفاهيم أخرى تناسب بعض العقليات المنغمسة ضمن الفكر الغربي أو الساعي لتجزئة مفهومها الواسع إلى أجزاء مبعثرة يقتات منها الطامعون والساعون إلى الانفصال أو الانسلاخ.
إذاً فإن تسييس العروبة ووضعها ضمن أيديولوجيات مضللة يماثل أيضاً تسييس الأديان وضرب التعايش العميق فيما بينهما، وبالتالي يؤدي إلى إنزال العروبة من مفهومها الثقافي والروحي والتاريخي، والزج بها ضمن سياسة خاضعة لمصالح هذه الفئة أو تلك، ما يخرجهما من إطار الإنسانية، ويبقيها حبيسة الانغلاق والتعصب الذي يؤدي إلى تدمير المجتمع، على عكس ما تنادي به العروبة الحقيقية في مفهومها المعاصر من ضرورة الإيمان الحقيقي بأن الشعب العربي شعب واحد تجمعه اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة.
وهذا بالحقيقة لا يجعل ذلك المصطلح بمفهومه الكبير والعميق يلقى قبولاً عند الكثيرين سواء عن غير قصد أو من بعض الحاقدين الراغبين في تدميرها وتغييبها، أو وضع الخلل فيها، وبالتالي نجد أن الحلف الاستعماري الغربي يسعى في كثير من الأحيان إلى فك عراها وإدخالها في دوامة حروب تبدأ ولا تنتهي لضمان تسيد الكيان الصهيوني وتثبيت سيطرته على المنطقة.
لذلك فإن النهج الدفاعي أصبح من مستلزمات فهم العروبة والحديث عنها عند التعاطي مع الخارج أو الآخر، ولا بد من ترسيخ فكرة أن الانتماء إلى المدينة أو القرية في سورية لا يلغي الشعور بالانتماء إلى سورية كلها، ولا يلغي الانتماء إلى العروبة بمفهومه الواسع والعميق.
ومن منطلق ذلك جاء تركيز السيد الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم الدستوري على العروبة حيث أعطاها المفهوم الأصح والأعمق بقوله إن انتماء الإنسان ليس خياراً يحدده بإرادته ولا نظريات يتبناها وإنما هو حقيقة مكتسبة بالولادة بداية وبالتفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه لاحقاً، لذلك لا يمكن الحديث عن المستقبل أو عن مقارعة عدو من دون توحيد هذه المفاهيم بالإطار الذي يكون إطاراً وطنياً بحتاً.