عندما كتبت قبل أكثر من عقد من الزمن تلك السلسلة القصصة الخيالية لصالح إحدى مجلات الأطفال العربية عن علاقة الإنسان بالآلة الذكية التي اقتحمت عالمنا كنت أذهب بعيداً في خيالي في تصور استخدامات مختلفة للذكاء الصناعي في مجالات عدة، كأن يصبح (الروبوت) ممرضاً مثلاً، أو بائعاً في متجر، أو نادلاً في مطعم، أو خادماً في منزل، أو سائق سيارة، أو لاعباً رياضياً، وغير ذلك كثير.. أقول عندما كتبت تلك السلسلة للأطفال ونظرت إلى المستقبل بجرأة تتجاوز الحاضر آنذاك لم أكن لأتوقع هذه السرعة التي ستغزو بها الآلة واقعنا، وتصبح بين عشية وضحاها حاضرة وبقوة في كل مكان، فإذا بالآلات تتجول بين الناس كما رسمها الخيال في المشافي، وفي المطارات، وفي الأماكن العامة، والخاصة، وفي مجالات الصناعة، والتجارة، وهذا من شأنه بالتالي أن يعود على مستخدمها بتقليص نفقات الأيدي العاملة، واختصار المساحات في البناء لأماكن عمل الموظفين، إضافة إلى ما تطور من البرامج والتطبيقات للعمل عن بعد بلا حدود مما قد ساعد على تحقيق ذلك، وكل ما يلزم وأكثر، ودون تواصل مباشر بين الأفراد، وهذا بالتالي من شأنه أيضاً أن يخلق نسق علاقات اجتماعية جديدة، ومختلفة تفرضها أساليب العمل الحديثة بينما لم تعد أساليب العمل القديمة مناسبة مادام التطورالحضاري الذي انبثق كمارد يستطيع أن يأتي بالمستحيل، وبما يجعل العودة من هذه الطريق غير قابلة للنقاش، أو إعادة نظر.
وها هو الواقع الجديد الذي فرض نفسه علينا بدخولنا إلى زمن الأوبئة، والكوارث الطبيعية نتيجة الاحتباس الحراري، قد سرّع من وتيرة ظهور الآلات الجديدة واستخداماتها المتعددة لتحل محل العنصر البشري كعامل وقائي للحد من انتشار وباء العصر بين البشر قدر الإمكان، ومن جانب آخر للحد من النشاط الذي يفعل فعله في تلوث البيئة، وما يتبعها من كوارث بيئية.
وها هم علماء المستقبليات الآن يتوقعون ما لم يكن متوقعاً من تسارع للأتمتة في العقود القادمة القليلة من القرن الواحد والعشرين بما لها، وما عليها من تغيرات جذرية لها انعكاساتها البعيدة، والحادة، اجتماعياً، واقتصادياً، وربما إلى درجة سيتغير معها وجه المستقبل القريب حتى لا نكاد نجد رابطاً بينه وبين أزمان مضت.. أما البرامج والتطبيقات الإلكترونية فقد جعلت الساحة تنفتح إلى أبعد مدى لها بما يجعل من الثورة التقنية تقفز قفزات واسعة تفوق المسافة الفارقة بين الثورات الصناعية السابقة على مدى قرون من الزمن.
إن عالم (الروبوت) والذكاء الصناعي بكل مستوياته بعد ما وصل إلى ما وصل إليه فإنه سوف يفرض نظاماً تعليمياً جديداً، ومناهج أكثر حداثة، إلى جانب كثير من فرص العمل الضائعة، والأخرى المستحدثة ذات الاختصاصات الحديثة التي ستكون في مجالات محددة.
ورغم توقعات العلماء وكتّاب الخيال العلمي بتلك المرحلة المتقدمة من تطور الذكاء الصناعي التي ستتفوق فيها على القدرة البشرية بما قد يتجاوزها لينفلت العقال من يد البشر، ويسود الذكاء الذي صنّعه البشر فيستبد بهم مدمراً حضارتهم التي تراكمت عبر الدهور، والتي تناقلتها الذواكر الجمعية عبر أجيال لا حصر لها، أقول رغم ذلك فإنني مازلت أنتصر إلى الإنسان الذي اخترع، وابتكر، وطور، لأستبعد على خلاف ما اتفق عليه هؤلاء فكرة هيمنة الآلة الذكية على القدرة البشرية.. كحال المخلوق الذي لا يمكن أن ينافس خالقه ولا أن يتفوق عليه.. والآلة مهما بلغت من الإمكانيات الخارقة إلا أنها تظل صناعة بشرية.
(إضاءات) ـ لينـــــا كيـــــــــلاني ـ