الملحق الثقافي:د. أيمن أبو الشعر *
أطلق السيد واصل النار، فأصاب تحديداً عين السمور، هذه أفضل هواياته، وهو صيادٌ خبيرٌ.. سرعان ما أحضر أبو عدنان الذي يُلقّب بـ «كلب السيد واصل» الطريدة، وهو يقول: ما شاء الله، كما في كلّ مرّة، في العين تحديداً.. قال السيد واصل: نعم، هكذا لا تفسد الفروة، هل عرفتَ لماذا تساعدني أنت، ولا أستخدم الكلاب؟.. أجاب أبو عدنان: نعم، كي لا تخرب الفرو بأنيابها، فقال السيد واصل بسرعة: صحيح، حتى لا تفسد أنياب الكلاب هذه الفروة الرائعة، يجب أن يحافظ الصياد على الفراءِ الثمين بأبهى حلة، لأنها ستكون ملكه. في البداية يجب أن يناور طويلاً، ويلاحق الطريدة حتى تهدأ، ولو لبضعِ ثوانٍ ثم يسدّد، ولكن مؤسف.. قال أبو عدنان: إنها كائنات جميلة.. أجاب السيد واصل: يجب أن تقتل بحرفيّةٍ في العين تحديداً، بل إنني أستلهم التصويب السديد من جمالِ وصفاء عينيها، أركّز على عينٍ واحدة، وتغدو بالنسبة لي بمثابة الدائرة السوداء، في منتصف الدريئة.
ساد التوتر في بيت عادل -أبي فراس- الذي كان مضطرباً جداً، يزرع صالون بيته جيئةً وذهاباً، وفي مثل هذه الحالة، ينزوي الجميع ويعمّ الهدوء، إلى أن يهدأ عادل ذو النفس الطيبة، حيث عُرف عنه أنه ودودٌ وصادقٌ ونقيٌّ جداً، لكن غضبه هذه المرة طال، وراح يدخّن رغم أنه أقلع عن التدخين منذ سنتين، إلى أن تشجعت أم فراس وأعدّت فنجان قهوة، وقدمته له وسألته بحذرٍ عما يزعجه، فهو مضطربٌ كثيراً اليوم…
تنهّد عادل وجلس على الكنبة، ورشف رشفتين من فنجان القهوة، وقال:
– عليَّ إغلاق المحل، والبحث عن عملٍ آخر..
– ماذا تقول ما الذي حدث؟.. سألتْ بتوجس..
– رست المزايدة الجديدة لبيع المحجوزات، على جاري ومنافسي الدائم، السيد واصل، بفارقٍ لا يمكن أن تتوقعيه، مفارقة صغيرة جداً. هذا يعني بكلّ وضوح، أن هناك آليّة غريبة نجهلها، تُستخدم لإنهاء المزاد، بحيث يرسو عليه هو لا غيره، أو هناك من يغيّر في أرقام السجلات فيما بعد، لتغدو لصالحه، فهذه هي المرة الثالثة.. وحتى الأواني المطبخية التي رست عليّ قبل شهرين، تركها خصيصاً كما يبدو، ليوحي لي بأنه المسيطر، وقد عرضتها للبيع بسعرٍ زهيد تقريباً، دون مربحٍ يُذكر، لكي أتابع عملي في السوق، حيث أحضر السيد واصل بضاعة مشابهة، وعرضها بسعرٍ أرخص بكثير، ومن الواضح أنه يخسر فيها، ولكن كي يكبّدني خسائر كبيرة، وتكسد البضاعة عندي…
– ولماذا يفعل ذلك؟.. سألتْ أم فراس، وقد اصفرّ لونها.
– هناك حوالي عشرة أشخاص يلقّبٌون بالحيتان، يريدون السيطرة الكاملة على السوق، وتحويل الآخرين إلى مجرّد سلالم للوصول إلى مصالحهم، وهم يرشون ويُفسدون المسؤولين، ويمارسون التلاعب والغش، ومن يظلّ مستقيماً، يزعجهم طبعاً، لأنه يفضحهم دون أن يتكلم، فيتّفقون عليه ويحاربونه بإيعاز من زعيمهم السيد واصل..
– ولماذا تترك السوق؟.. يمكن أن تغير طبيعة العمل، إن كانوا بهذه القوة!..
– لقد تدبّر الأمر مع بعض ضعاف النفوس، من المسؤولين الفنّيين، وأدخلوا محلي في التنظيم الجديد، بحيث سيقصّون أكثر من نصفه.. وأمهلوني ثلاثة أشهر لتصفية أعمالي وبضائعي.. طبعاً، رفضت هذا الإنذار، ورفعت كتاب تظلّم لأن المحل لا يمكن أن يكون ضمن التنظيم، فهو يبعد عن مكان الحديقة الصغيرة التي ينوون إقامتها هناك، أكثر من مئة متر، وإذ بشكاوى مفتعلة من أصدقائه وزبانيته، بأني أزوّر وثائق البيع والشراء، وجاء المراقبون وفتشوا أياماً عديدة، وكان واضحاً أنهم يقصدون إعاقتي عن العمل، وقد صبرت على هذه المضايقة أيضاً، فقد تحوّل الأمر إلى وشاياتٍ مغرضة، بأني أقوم سراً بتهريب الحشيش، وجاءتني الدوريات تباعاً..
– إلى هذا الحد؟!.. عبرّتْ أم فراس عن هلعها..
– أكثر يا أم فراس.. جاءني اليوم كلب السيد واصل، استغربتْ أم فراس، فاستدرك أبو فراس: إنه أبو عدنان مساعده وخادمه وووو…الجميع ينادونه «كلب السيد واصل»، فهو دائماً رهن إشارته، واقترح عليَّ أن أبيع المحل للسيد واصل، وبأقلّ من نصف ثمنه، معتبراً أن المكسب معي، فقريباً يخضع للقصّ، ولن يبقى منه سوى بضعة أمتار.. طبعاً، واضح أنني إن رضخت وبعته، سيخرج المحل من خارطة التنظيم ويبقى سليماً، هكذا يكسب مئات الملايين بالخداع والغش!!!.. قلت له لن أبيع، وخاصة للسيد واصل، فقال لي: ما على الرسول إلا البلاغ، وأضاف أنه سمع هو نفسه، أن هناك إخبارية عني بأني أبيع السلاح للإرهابيين!!.. ومن ثم بلهجةٍ متعاطفة، قال لي: يا أبا فراس، أنت لست ابن سوقٍ، الكلّ يقول عنك أنك رجل مستقيم وطيب… ومن ثم تنهد وقال:
– في نهاية المطاف، المحل سيكون للسيد واصل، فهو صيادٌ ماهرٌ، يتاجر بكلّ أنواع الفراء ليضمن أرباحاً كبيرة.
استغربتُ وقرأ على وجهي سؤالاً ضمنيّاً، وهو: ما علاقة الصيد والفراء هنا؟!! فأردف على الفور:
إنه حريصٌ على الحصول على المحل صافياً، ودون إشكالاتٍ وشوائب، والصياد الماهر يطلق النار في عين الثعالب والسمور، لكيلا يفسد بالطلقة جلدها، هل فهمت إنه صيادٌ ماهر، ويُلقّب بقاتل السمور، فهو يحصل على كلّ شيءٍ نظيفاً ونقيّاً، ودون ثقوبٍ في الفرو!!..
*شاعر ومسرحي ومترجم