ربما قليلون الذين لا يزالون يتذكرون مشهد بعض المرتزقة الفيتناميين عام 1975 وهم يحاولون تسلق مروحية أمريكية على سطح السفارة الأمريكية بمدينة سايغون جنوب فيتنام بحثاً عن مهرب بعدما تعاونوا مع المحتل ضد أبناء بلدهم، نظراً لعدم وجود وسائل إعلام متطورة ووسائل تواصل اجتماعي توثق ذلك المشهد آنذاك، لكن ما جرى بمطار كابول في أفغانستان بالأمس أعاد للأذهان الصورة بشكل أوضح.
ما حدث قبل نحو 45 عاماً في مقر السفارة الأمريكية بمدينة سايغون يتكرر اليوم في كابول حيث تعلق طموح وأمل الكثير من الأفغان بالنجاة والهرب على عجلات طائرة أمريكية أو حذاء جندي أمريكي فكان أملهم على هذا القدر بالتحديد، ومصير بعضهم السقوط من على ارتفاع مئات الأمتار.
مشهد تقشعر له الأبدان وينبغي لأدوات الولايات المتحدة في مناطق ومطارات أخرى من العالم أن تتحسس رؤوسها وتتلمس أقدامها أيضاً وهي تعيد رؤية المشهد مرة تلو الأخرى، فلعلها تتعلم أن مصيرها سيكون مشابهاً ولو بعد حين.. فالولايات المتحدة حكمت أفغانستان على مدى عشرين عاماً وأنشأت هياكل حكم تقودها وتدربها وتقول إنها قادرة على إدارة البلاد، لكن ما إن أعلنت واشنطن انسحابها حتى بدأت تتهاوى أقاليم البلاد في يد حركة طالبان التي ادعت الولايات المتحدة محاربتها والقضاء على قوتها خلال عقدين من الزمن.
الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيته رفضا تشبيه ما يجري في كابول بما جرى في سايغون قبل 45 عاماً، لكن مجرد نفي الربط يؤكد حقيقة الارتباط، فالمشهد ذاته جنود أمريكيون ينسحبون من بلد احتلوه لسنوات ومتعاونون مع الاحتلال يحاولون تسلق سور السفارة الأمريكية في سايغون لركوب الحوامات التي تقوم بإجلاء الرعايا الأمريكيين دون جدوى، لأن الأوامر الأمريكية صدرت بأن الأمريكيين فقط من يحق لهم ركوب تلك المروحيات.. وهذا المشهد تكرر في كابول عندما تهاوت أجساد شبان أفغان تعلقوا بعجلات وأجنحة إحدى الطائرات العسكرية الأمريكية التي لم يسمح لهم الصعود إليها.
مشهدان حفظهما السوريون جيداً وهم يؤكدون أن المشهد القادم لن يكون بعيداً جغرافياً ولا زمنياً، فعصر التراجع والانسحاب الأمريكي بدأ رغم جبروت الولايات المتحدة وقوتها.
وبغض النظر عن الموقف من حركة طالبان، وبعد عقدين من حرب أمريكية ضد هذا البلد واحتلاله انتهت الحرب كما بدأت.. بحكم طالبان.. فلماذا كانت الحرب إذاً؟
إضاءات – عبد الرحيم أحمد