الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
فيما يواصل الرئيس الأميركي جو بايدن إطلالاته المتكررة وغير المقنعة على وسائل الإعلام لتبرير حدث الانسحاب المفاجئ والفوضوي من أفغانستان والتباهي بقدرة بلاده “الخارقة” على إجلاء المرعوبين والخائفين من سيطرة حركة طالبان المشبوهة، والسهلة والسريعة على الوضع العام في أفغانستان، ثمة أسئلة كثيرة تدور في الكثير من بلدان العالم باحثة عن أجوبة شافية حول تطورات الحدث الأفغاني وخلفياته وتداعياته الحالية ومآلاته المستقبلية.
إذ يرى الكثير من المتابعين أن الهزيمة المعنوية والأخلاقية والعسكرية للولايات المتحدة في هذه الحرب الطويلة تخفي وراءها الكثير من الأهداف الخبيثة، إذ لا يمكن الادعاء بأي حال من الأحوال بأن الانسحاب الأميركي جاء نتيجة يقظة أو صحوة للضمائر الأميركية على خلفية الخسائر المادية والبشرية والمعاناة الإنسانية التي لحقت بالشعب الأفغاني خلال سنوات الحرب، أو نتيجة رغبة أميركية بإعطاء هذا الشعب حريته من الهيمنة والاحتلال والقمع، فالجميع يدرك أن البلاد انتقلت من مرحلة سيئة إلى مرحلة أخرى أشد سوءاً مع عودة حشود “الزومبي” الطالبانية إلى الواجهة بعد قرابة العشرين عاماً من اختفائها في الكهوف والجبال المحصنة.
عودة طالبان تعني العودة إلى العام 2001 يوم كانت الحركة تطبق نموذجها المتخلف للإسلام السياسي في هذه البلاد بما يعنيه من قمع واضطهاد بقية المختلفين معها وفرض قيود غير إنسانية على المرأة واحتضانها لتنظيم القاعدة الإرهابي بكل سمعته البشعة، فما الذي دفع بالولايات المتحدة لإيقاظ طالبان من رقادها وإعادتها بصفقة مشبوهة برعاية قطر وربما تركيا إلى الواجهة، لإقامة نظامها الغوغائي المقيت، وما الفوائد التي يمكن أن تحققها واشنطن من إعادة إنتاج هذا الأنموذج المكروه والفاشل في معظم أرجاء المنطقة؟!.
ثمة مثل شعبي يقول “عندما يفلس التاجر فإنه يعود إلى دفاتره القديمة”، وعندما تلجأ واشنطن إلى إيقاظ طالبان مجدداً فهذا يعني أنه ليس لديها وليس باستطاعتها خلق أو إنتاج نموذج متحضر لبلاد عانت طويلاً من ويلات الحروب، وقد اعترف بايدن أنه لم يكن هدف الحرب بناء دولة متحضرة أو جيش وطني أو حكومة ديمقراطية في أفغانستان بل مجرد انتقام لأحداث 11 أيلول ومنع هجمات جديدة على الولايات المتحدة انطلاقاً من هذه البلاد، غير أن ثمة ما يكذب بايدن وإدارته فالتدخلات الأميركية في المنطقة مستمرة قبل وبعد 11 أيلول ولم يكن سببها هجمات أو اعتداءات تعرض لها الأميركيون!.
كما يبدو تشكل حركة طالبان اليوم بنكاً احتياطياً أميركياً لإعادة إنتاج الدول أو الممالك أو الإمارات الإسلامية التي تتبع لها وتنفذ أجنداتها، فمع تراجع هذا المدّ “الإسلاموي” خلال الفترة الأخيرة وفشل الرئيس السابق باراك أوباما في إقامة ربيع عربي إخواني كبديل لبعض أنظمة المنطقة المناهضة أو التابعة لواشنطن كان لا بد من البحث عن صيغة جديدة تعيد قطار الأخونة إلى السكة وتشحذ همم الحركات والجماعات الإسلامية العميلة التي أصابها الوهن والضعف..
فقد أدى سقوط حكومات الإخوان المسلمين في دول مثل “مصر والسودان وتونس وليبيا” إلى صدمة للقاعدة الشعبية الخاصة بها، وبات من الضروري أميركياً إيجاد وقود بديل يعيد إشعال النار في المنطقة وتعويض فشل هذه المحاولة في سورية، كي يبقى وطيس التطرف والعنف والإرهاب حامياً ويمكن الاستثمار فيه في الوقت المناسب.
لقد أدى فشل تنظيم الإخوان المسلمين بتحقيق أي إنجازات خلال عشر سنوات من الربيع العربي المشؤوم، إلى تأثيرات كبيرة على المخطط الإسلاموي الأميركي المرسوم للشرق الأوسط، وترافق ذلك مع تراجع شعبية الدول المتعاطفة مع هذا المشروع وخاصة “تركيا وقطر” لينعكس الأمر بشكل مباشر على الرأي العام الذي أصابه النفور من هكذا تنظيمات إسلاموية موتورة، فكان لا بد من إعادة تعويم حركة طالبان كنموذج “منتصر” يعيد شحذ همم المتعاطفين مع هذا المشروع، وقد لوحظ أن بعض الدول والجماعات التي تتبع الأنموذج “الإسلاموي” سارعت لتهنئة الحركة كاشفة عن التقاطع المشبوه بينها وبين الحركة، ولكن يبقى السؤال هل سيكون لعودة طالبان تأثير حاسم وحقيقي يصرف لمصلحة المشروع الأميركي؟ أم أن العالم قد تغير فعلاً، فيما بقيت طالبان على حالها ولا يمكن التعويل عليها؟.
واقع الحال لا يزال من المبكر الإجابة على هذا السؤال، فلا يزال المشهد ضبابياً غير واضح ولا يمكن التنبؤ بتواليه، وليس بالضرورة أن تنجح أميركا بكل مخططاتها، والتاريخ يؤكد أنها تعرضت إلى نكسات كبيرة ومخزية في مناطق كثيرة من العالم، ولكن كما قلنا في سياق المقال ثمة فشل وإفلاس دعا أميركا لإعادة فتح هذا الدفتر العتيق، فهل تنجح، ربما، وربما لا، ولكنها لن تتخلى عن محاولاتها لنشر الفوضى والعنف الذي يغطي دخانهما حقيقة المشاريع الأميركية المرسومة لهذه المنطقة وغيرها من مناطق العالم.
ولكن من المؤكد أن ما جرى في أفغانستان سيكون له تداعيات كبيرة محلياً وإقليمياً ودولياً ولن يمر ببساطة حتى في الداخل الأميركي وما علينا سوى الانتظار لنرى!.