الثورة أون لاين:
يشكل الأدب السوفييتي أبرز ظاهرة إبداعية في العالم لعمقه وثرائه وقدرته على التقاط مفردات الحياة.. وثمة نجوم لايمكن أن تغيب عنه دائمة الحضور منها الشاعر فلاديمير مايكوفيسكي الذي مازال يشكل منجماً غنياً بإبداعه.
و الكاتب والناقد العراقي جودت هوشيار صاحب الأيادي البيضاء فيما يقدمه لنا من دراسات وكنوز نقدية تتابع كل جديد في تاريخ الأدب الروسي أو السوفييتي..
جديده حول الشاعر مايكوفيسكي الذي شغل العالم كله..
كتب الدكتور جودت هوشيار قائلا؛
ظهر الشاعر فلاديمير ماياكوفسكي في مقهى “الكلب الضّال” في العاصمة بطرسبورغ لأول مرة في خريف عام 1913، وكان عمره عشرين عاماً، ولم يكن يرتدي قميصه الأصفر المخطط الشهير، بل بدلة عادية ويعتمر قبعة عالية.
هنا وعلى مسرح المقهى ألقى الشاعر الشاب قصيدته الطويلة الشهيرة “غيمة في بنطلون”. أثارت القصيدة هيجاناً لم يسبق له مثيل، كانت أصوات الشجب والاستنكار تتعالى في أرجاء المقهى، فطلب الكاتب الروائي (ميخائيل فولكوفسكي) – وكان شيخاً مهيباً بلحيته البيضاء الكثة – الكلام للتعقيب وقال: “أنا عندكم هنا لأول مرة، ولم ألتق بكم سابقاً.
لقد ألقى الشاعر الشاب قصيدة غير تقليدية، ولولا بعض الكلمات الخادشة في نهايتها لكانت قصيدة رائعة. هذا شعر جديد وأصيل، وغير مألوف، لذا فإنه أثار غضبكم. ولكن مهلاً، إنه شاعر موهوب وستعتادون على مثل هذا الشعر، وكل جديد يثير لغطاً في البداية لينتهي إلى الاعتراف بموهبة شعرية أصيلة”.
ومع بداية الحرب العالمية الأولى، واشتراك روسيا فيها كتب (ماياكوفسكي) قصائد تدين الحرب بكل صورها، وفي أوائل عام 1915، وفي ذروة الزمهرير الروسي، جاء (ماياكوفسكي) من الجبهة تواً – وكان قد استدعي للخدمة العسكرية الإجبارية – وحضر إلى “الكلب الضّال” وطلب من (بونين)، صاحب المقهى السماح له بإلقاء قصيدة جديدة له بعنوان “إليكم”، قائلاً له: “دعني أتحرش بالبورجوازيين قليلا”. وكان (بونين) من المعجبين بشعر ماياكوفسكي، كما يقول في مذكراته عن المقهى.
وقف الشاعر المثير للجدل على خشبة المسرح بقامته المديدة، وألقى قصيدته الشهيرة “إليكم” بصوته الجهوري. وكانت قصيدة هجاء لاذعة، يسخر فيها من هؤلاء السادة الذين يعيشون في منازل مدفأة، تتوافر فيها كل وسائل الراحة، ويقضون أوقاتهم في المغامرات العاطفية، والسكر والعربدة، وأكل ما لذ وطاب، في وقت تخوض فيه روسيا حرباً دامية، وتخسر كل يوم عدداً من خيرة شبابها.
أثارت القصيدة غضباً عارماُ، ونقاشات حامية داخل المقهى، وانتقل النقاش في اليوم التالي إلى إحدى كبريات صحف بطرسبورغ (بيرزفوي فيدومستي).
وظهرت في الصحيفة مقالة وصفها (بونين) بأنها قذرة. مقالة تحريضية ضد المقهى، بقلم صحفي كان يرتاد المقهى بانتظام، ويسكر فيه أكثر من أي زائر آخر، لفتت المقالة انتباه الشرطة، التي داهمت المقهى، ولم تجد فيه مخالفة تذكر، سوى عدم الالتزام تماماً بالقرار الحكومي الذي صدر في أوائل الحرب بمنع تقديم الخمور في المطاعم والحانات والمقاهي، حيث عثرت الشرطة على بعض القناني الفارغة تحت الأرائك، فتم غلق المقهى في 3-3-1915