الثورة أون لاين – راغب العطيه:
تقع أفغانستان في آسيا الوسطى حبيسة بين سبع دول، حيث تحدها كل من طاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان من الشمال وإيران من الغرب والصين من الشرق وكذلك الهند، فيما تحدها باكستان من الجنوب، وجميع هذه الدول تترقب عن كثب ما يجري في أفغانستان بعد عودة حركة طالبان وبقوة إلى الواجهة في هذا البلد الذي لم ينعم بالهدوء والاستقرار منذ زمن طويل، وذلك على خلفية هزيمة سياسية وعسكرية وأخلاقية للولايات المتحدة الأميركية.
صحيح أنه يتبادر إلى الأذهان أن تطورات المشهد الأفغاني قد تنحصر في سيطرة حركة طالبان على مفاصل الدولة وفرضها لرؤيتها وسياساتها، إلا أن المشكلة أعمق من ذلك بكثير، إذ يحتمل تقسيم أفغانستان بسبب التفاعلات الإقليمية الناتجة من تباين مصالح دول الجوار ومواقفها من طالبان نفسها، وهذا بحسب العديد من الباحثين وخاصة الأميركيين منهم.
وباعتبار أن كل دولة من الدول المجاورة لأفغانستان سوف ترقب المشهد عن كثب مع الأخذ بالحسبان كل التوقعات والتداعيات التي قد تكون كارثية على الجميع، فإنه من المتوقع أن تمضي كل دولة وفقاً لأجنداتها واعتباراتها السياسية والسيادية بما يساهم في تحقيق الاستقرار في أفغانستان بعد أن سلمتها الإدارة الأميركية لطالبان جهاراً نهاراً ومعها كل الأسلحة المتطورة التي جلبها الأميركيون لمحاربة تلك الحركة بحسب زعمهم.
وعليه فإن الأمور تتجه نحو المجهول الذي قد لا يعرف النور إليه سبيلاً إلا بعد مرور سنة أو سنتين على أقل تقدير، فإما أن تتوحد أفغانستان تحت حكم تشاركي بين كل الأطياف السياسية، أو أن تعود مرة أخرى إلى التقسيم ومناطق النفوذ والصراع الدموي، كما كانت خلال فترة الحرب الأهلية في التسعينيات، أي إن ما حققته طالبان، والذي يتم التطبيل والتزمير له اليوم من قبل العديد من الأطراف لا يمثل نهاية القتال في أفغانستان أكثر من كونه فصل من فصول الصراع التي مر بها هذا البلد في عبر تاريخه الحديث.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة على بساط البحث، أين كانت الولايات المتحدة الأميركية من كل هذه التوقعات المظلمة لأفغانستان، وهي التي احتلت هذا البلد منذ عشرين عاما مضى واستباحته بشكل كلي، كما أن لديها أقوى وأحدث مراكز البحوث والدراسات وأجهزة الاستخبارات على مستوى العالم؟.
أم إنها كانت غارقة في النهب والسرقة وتجارة الحشيش والمخدرات والبشر؟ ولم تول الحريات العامة ولا حقوق الإنسان، ولا بناء الدولة والمؤسسات الأفغانية، وخاصة الجيش أي اهتمام، وهو ما أقر به الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخراً عندما قال صراحة: “لم نذهب إلى أفغانستان لبناء دولة”، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن الأميركيين يخططون لإشعال أفغانستان من جديد.
التالي