الثورة أون لاين – فؤاد الوادي:
بعيداً عن تداعيات وارتدادات وخفايا وأسرار وأثمان الانسحاب الأميركي من أفغانستان، فإن الولايات المتحدة الأميركية تبدو كقوة عظمى في أسوأ حالاتها على الإطلاق منذ انسحابها من فيتنام في العام 1973، مع الأخذ بعين الاعتبار الفوارق الجوهرية الكبرى بين المشهدين وبين دلالاتهما والأسباب التي أدت وأوصلت إليهما.
بغض النظر عن هذا كله، فإن الولايات المتحدة تقف اليوم أمام سؤال وجودي مصيري، هل ستقبل الدولة العميقة فيها بالتخلي عن استراتيجية العنتريات والهيمنة، لاسيما بعد أن باتت صفة الانكفاء والهزيمة هي الملاصقة للسلوك والسياسة الأميركية منذ انسحابها من فيتنام، في إشارة واضحة إلى مصطلح (متلازمة فيتنام) الذي كان له دور أساسي في دفع الأميركيين إلى الإحجام عن الالتزام بالقوة العسكرية في الخارج.
الأكثر من ذلك أن الحديث داخل أميركا نفسها تجاوز ذلك إلى الحديث عن غياب العقلانية والاستراتيجية عن الأداء الأميركي بمجمله منذ عهد الرئيس دوايت آيزنهاور أي منذ نحو سبعة عقود تقريباً، وهذا الأمر خطير جداً إذ يعتبر بمثابة إعلان حرب على الدولة العميقة التي كان لها الدور الأساسي في وصول الولايات المتحدة كهيبة وكسمعة وكقوة إلى الحضيض، وهذا ما ساعد بحسب الكثير من الأميركيين الغاضبين من سياسة بلادهم إلى صعود قوى عالمية منافسة ومؤثرة إلى الساحة الدولية كروسيا والصين، لاسيما بعد الفرصة التاريخية التي أتيحت للولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لنسف حوامل القوة الروسية من جذورها، إلا أن الذي حصل هو انغماس الدولة العميقة في الولايات المتحدة بصناعة صراعات وحروب أدخلتها في مراحل استنزاف طويلة كحربها في أفغانستان التي خرجت منها مهزومة بكل المقاييس بغض النظر عما خلفته من خراب ودمار، وتتجاوز كلمة مهزومة الحدود العسكرية إلى ما هو أهم من ذلك، فأميركيا اليوم باتت مهزومة بسياساتها على المستوى الخارجي، بعد أن باتت تلك السياسات محل المراجعة والتشكيك والتحليل ومن أقرب حلفائها وشركائها، ناهيك عن أنها باتت مهزومة على الصعيد المعنوي.
لطالما كانت السياسة الأميركية قائمة على لغة الهيمنة والتفرد، لكنها اليوم أي السياسة الأميركية وأمام هذا الواقع الدولي الجديد بتعقيداته وتشعباته وقواه الصاعدة والمؤثرة، تجد نفسها أمام عدة خيارات جميعهم بمثابة العلقم، لكن يتوجب عليها الاختيار، وإلا ستجد نفسها على حافة الهاوية فعلاً.
الولايات المتحدة بدولتها العميقة باتت على المفترق الأصعب منذ ولادتها الكارثية، فهي إما ستبقى تسير على طريق التهور والتصعيد والذهاب إلى خيارات الحروب والاستنزاف والتي أثبتت جميعها فشلها طيلة العقود الماضية،أم أنها ستعدل من استراتيجيتها بما يواكب ويحاكي الواقع المستجد الذي صاغ معادلات وقواعد جديدة لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها، حتى لو كانت استراتيجية التفرد والهيمنة التي ترتكز عليها السياسة الأميركية من ضمن البنية الوجودية لها، لأن الذهاب عكس التيار يعني غرق العالم جميعا، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة التي تعاني من أزمات اقتصادية وبنيوية وأخلاقية وإنسانية جعلت منها ثوراً هائجاً قد يحطم القارب قبل يغرق.
نختم بما قالته بالأمس إليز ستيفانيك رئيسة مؤتمر مجلس النواب الجمهوري : “هذه هي فيتنام جو بايدن .. فشل ذريع على المسرح الدولي لن ينسى أبدا”؟