الثورة أون لاين – سلام الفاضل:
من لم يعرف فاتح مدّرس، ولو بالقراءة والمتابعة، فإنه لم يعرف الإنسان الحقيقي في جوهره السامي والمتسامي، فهو الذي فتح باباً للقصّ والشعر، وهو الذي فتح الفضاءات الكبرى والعالمية للوحة التشكيلية السورية، فوضع المعايير والتقنيات والقياسات والألوان النابعة من الأرض السورية، وضعها في قلب المشهد التشكيلي العالمي، ويظن كثيرون من أن أهميته تنبع من هذا الجانب، وهذا صحيح، لكنه في الحقيقة تصدّر المشهد بصدقه وانتمائه إلى فكره وكل ما في أرضه.
ونظراً لهذه الأهمية التي كرّست فاتح مدرّس مبدعاً شاملاً لا على صعيد المحترف التشكيلي فحسب، ولكن كمبدع على صعد أدبية وفنية أخرى. فقد أصدرت الهيئة العامة السورية للكتاب كتاباً حمل عنوان (فاتح مُدرّس بين اللون والحرف… عالم من التشكيل الخلّاق)، وهو من إعداد وتوثيق: د. إسماعيل مروة، وأ. نزيه الخوري، حاول خلاله المشاركون في وضع هذا الكتاب عبر أبحاثهم تسليط الضوء على مدرّس كرجل ثقافة شمولي، وتفنيد تجاربه الإبداعية في الفن التشكيلي، والموسيقا، والأدب.
في مبحثه الذي حمل عنوان (فاتح مدرّس وتخلّقاته التشكيلية) رأى د. عبد الكريم فرج أن الفنان فاتح مدرّس أيقن بأن الفنون الجميلة والتعايش في ظلال مفاهيمها إحدى الطرق العظيمة لإبعاد الكوارث اللاأخلاقية عن مسيرة الحق والخير والجمال، وعرج على أعماله التصويرية موضحاً أن الفنان فاتح مدرّس استطاع في مجمل هذه الأعمال أن يلخص لنا رموزه المنتشرة في أرجاء اللوحة، والتي كان من أهمها: صورة المرأة التي قلما فارقت لوحته الفنية، وقد تكررت أشكالها وتعابيرها في مختلف لوحاته وهي من المعاني التي جعلها الفنان تتصدر التكوين نتيجة تأثره الشديد بأمه التي تولت رعايته بعد مقتل والده فملأت دنياه، إلى جانب حبه الفلاح والأرض الممتدة أمام بصره فهي رافقته كما رافقته أمه في حياته المبتسمة أو الحزينة على حدّ سواء.
ويؤكد أ. سعد القاسم في بحثه الذي حمل عنوان (كما رأيناه ونراه) بأن فاتح مدرّس كان باختصار شديد مشروعاً ثقافياً متعدد الأوجه في كيان إنسان واحد، وعَلَماً من أعلام الثقافة على امتداد نصف قرن، فقد استطاع بحكم وزنه الثقافي أن يؤكد أهمية الفن المعاصر، وأهمية الحداثة في الفن التشكيلي السوري على الرغم من الأمية الفنية الواسعة، والأمية الثقافية التي عاشها المجتمع منذ بداية تجربته حتى عقود قريبة. ويسوق أ. القاسم تالياً عدداً من الأحداث والذكريات التي تخللت حياة مدرّس مبيناً بأن قبول المجتمع لتجربته المتقدمة لم يكن نتيجة إدراكه لها بقدر ما كان بفعل الوزن الثقافي الذي كان يمثّله، والذي تجلى في تجربته التشكيلية أولاً، وفي غناه المعرفي، وتنوّع اهتماماته وتعددها كشاعر، وكاتب قصة قصيرة، وعازف حر على البيانو، إلى جانب اهتماماته الفكرية والفلسفية.
وركّز د. إسماعيل مروة في مبحثه ذي العنوان (فاتح مدرّس… عالم من الإبداع المرهق والمتألق) على الجوانب الإبداعية الأخرى التي برع فيها مُدرّس إلى جانب إبداعه على الصعيد الفني التشكيلي، حيث تناول في حديثه الجانب الموسيقي وما كان من تجاوزه هواية العزف ليصل إلى مرتبة أعلى في العزف على آلة البيانو حيث عرفه المقربون من الوسط التشكيلي كمُدرّس موسيقي، وموسيقي من الدرجة الممتازة. لينتقل تالياً للحديث عن إبداعه في مجالي الشعر والقصة القصيرة، وما كان من إصداره لديوانين شعريين، ومجموعة قصصية يتيمة حملت عنوان (عود النعنع) كانت موضوعاتها مختلفة، أولى فيها مدرّس عناية خاصة بداخل الإنسان، وهو لم يكتبها ليكرّس نفسه كاتباً قصصياً، بل ليعبر عن ذاته ومجتمعه الذي لا نعرفه، وعن أمه التي حملها بصوتها ولهجتها وهيئتها حتى غادر الدنيا، وبقي وفياً لها ولبيئتها.
وخُتم الكتاب بنماذج من أعمال فاتح مُدرّس الشعرية، والقصصية، والتشكيلية
