الثورة أون لاين – أحمد حمادة:
عندما احتلت الولايات المتحدة أفغانستان منذ عقدين من الزمن لم تكتف بالاستثمار بالإرهاب لتطويع هذا البلد واتخاذه مركزاً للتجسس على دول جواره، ومنطلقاً لإلحاق الهزيمة بخصومها، بل حاولت إلحاقه بقاطرتها الاقتصادية والسياسية، ووضعه تحت رحمتها ورحمة البنك الدولي الذي تسير شؤونه بنفسها كما فعلت مع العديد من الدول التي تدور في فلكها.
اليوم، ومن خلال إعلان البنك الدولي تعليق مساعداته لأفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان المسلحة على السلطة، تظهر تلك الحقيقة التي أشرنا إليه، وهي أن واشنطن كانت وما زالت تعمل على إلحاق أفغانستان بها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، وجعلها تحت رحمة سياسات البنك الدولي وقروضه وشروطه، لا بل إن إعلان البنك أنه يبحث في الوقت عينه سبل مواصلة دعم الشعب الأفغاني، تشير بلا أدنى شك إلى أن تلك السياسة ستستمر في المستقبل، وإن بصور أخرى، وبالاتفاق مع طالبان ذاتها أداة أميركا القديمة الجديدة في البلاد، ولا سيما أنه منذ 2002 قدم البنك الدولي لأفغانستان ما مجموعه ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار.
ففي تفاصيل ذلك الإعلان نجد أن البنك الدولي يقول: “علقنا تسديد الدفعات في إطار عملياتنا في أفغانستان ونحن نراقب الأوضاع عن كثب ونجري تقييماً لها، ونعرب عن قلقنا إزاء الأوضاع وتداعياتها على آفاق تنمية البلاد وخصوصاً بالنسبة للنساء” لنكتشف غيرة البنك الدولي ومن خلفه أميركا على أوضاع البلاد المتدهورة وتحديداً على النساء، وغيرتهما على التنمية والازدهار والاستقرار، مع أن العالم كله يدرك كيف فجرت واشنطن استقراره ونسفت ازدهاره.
واليوم أيضاً، وبعد انسحاب أميركا المفاجئ من أفغانستان، وظهور ملامح إستراتيجيتها القادمة في محاصرة خصومها كالصين وروسيا وإيران، وافتعال المشكلات لهم، من خلال أداتها طالبان، نجد أن إدارة البيت الأبيض تريد الاستمرار في إلحاق هذا البلد باقتصادها من خلال البنك الدولي، ولا سيما أنها غير قادرة على نشر ملايين الجنود في الأراضي الشاسعة التي تحتلها، ولا بد من وسائل أخرى تضمن لها مصالحها الاستعمارية.
وإذا ما عرفنا أيضاً أن أميركا اتجهت منذ زمن إلى تدمير الدول من دون الحاجة للحروب العسكرية، وهو جوهر الجيل الجديد من حروبها، عبر إنهاك شعوب الأرض التي تغزوها، وعبر ما أسماه منظروها “التآكل البطيء” والتحكم بتلك الشعوب واقتصادها وحكوماتها ودولها وحصارها وتهديد سيادتها وتقويضها عن طريق الاعتماد على العملاء والخونة من أبناء تلك الدول، وعبر التحكم بإقليم خارج سيطرة الدولة تتحكم به مجموعات غير خاضعة للدولة، ومن خلالها تستطيع واشنطن التحكم بالأمور فيها، عبر خطوات بطيئة وبهدوء تام وبشكل مدروس، لأدركنا حقيقة إدخال أفغانستان في حظيرة البنك الدولي، فدخوله على خط الأزمة في هذا البلد يشي بذلك ويؤشر إلى أن ما يجري ليس إلا خطوة من هذه الخطوات الاستراتيجية الأميركية التي تسعى إلى التحكم بالشعب الأفغاني واقتصاده وسلطاته رغم انسحابها من أراضيه.