الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
أمام نبل العلاقة التي تطالعنا بها الفنانتان أمل عرفة وقمر خلف على خلفية ما جرى في الجزء الثالث من مسلسل (حارة القبة) إخراج رشا شربتجي وتأليف أسامة كوكش ، والذي تتم عمليات تصويره حالياً، نجد أن هناك بوناً شاسعاً بين الآلية التي تم التعاطي فيها مع انسحاب أمل عرفة وعودتها للعمل ، وبين ما يجري على أرض الواقع ضمن الساحة الفنية من استباحة لعادات وتقاليد إنتاجية وفنية سعت الأجيال السابقة إلى محاولة تكريسها ولكن أطيح بها فيما بعد في ظل فوضى إنتاجية افتقرت للتخطيط المُسبق وللرؤية الاستراتيجية ، وربما هي مناسبة لتسليط الضوء على واقع عام يعاني منه الإنتاج الدرامي اليوم ، فلا أعراف إنتاجية أو تقاليد مهنية تحكم الساحة وإنما هي لغة السوق التي تتحدث وتسود ، وارتجالات يقود جزءاً ليس بالقليل منها رأسمال أمّي ذهب باتجاه ترسيخ ما يخدم مصالحه بعيداً عن النواظم الإنتاجية والابداعية ، الأمر الذي يُجيّر على الكثير من الأمور بما فيها عقود الإذعان التي تُفرض على الممثلين وقلة الأجور وظهور أعمال بعيدة كل البعد عن المشاهد السوري وهمها محاكاة وإرضاء رغبات البعض ، كما تم إرساء علاقات غير صحية بين العديد من المنتجين.. فعوضاً عن أن تكون المنافسة شريفة ميزانها أهمية العمل وجودته تحولت إلى منافسة تكسير أسعار على عتبات المحطات والخضوع غير المشروط لشروط العرض ولمتطلبات بعض الرقابات العربية والمعلنين، والأنكى من ذلك غياب بعض المخرجين والكتاب الهامين لصالح بروز عدد من (أشباههم) حيث دفعت شركات إنتاج بأشباه مبدعين ليحتلوا المشهد محاولة منها لضبط النفقات وتنفيذ العمل بأقل تكلفة ممكنة ، وفي النتيجة هي أمراض توهن جسد الدراما السورية منذ سنوات تعود لما قبل الحرب على سورية ، ولكنها ظهرت بلونها الفاقع فيما بعد واليوم نعاني ما نعانيه منها.
ربما ما جرى حول اعتذار الفنانة أمل عرفة عن العمل وعودتها إليه وما رافق ذلك من تمسك بها من قبل صنّاع العمل بمن فيهم المخرجة والكاتب والجهة المنتجة وتفضيلهم مصلحة العمل على أي أمر آخر والبحث الجدي عن آليات ترضي الجميع ، كان بحد ذاته دافعاً لاستذكار طبيعة (الأمر الواقع) السائد الذي سعى العديد من المنتجين وصناع الأعمال الدرامية إلى تكريسه بما فيه إمكانية استبدال أي أحد دون الأخذ بعين الاعتبار تاريخه الفني والإبداعي ، أما حول حقيقة ما جرى مع بداية تصوير الجزء الثالث من (حارة القبة) واستناداً لما كتبته الفنانة أمل عرفة على صفحتها الشخصية في الفيسبوك فقد أعلنت انسحابها من الجزء الثالث من المسلسل مؤخراً مؤكدة أنها لن تعمل في ظروف إنتاجية لا تُنصف (تاريخاً صنعناه بجدية وجد) فالممثل السوري كان ولايزال وسيبقى حجر الأساس في كل مشروع سوري ناجح ، وأشارت إلى أن الدور الذي اعتذرت عنه ذهب للفنانة قمر خلف التي بدورها تواصلت معها لأخذ الإذن الأدبي للعب الشخصية مشددة أن هذه الأخلاق قل وجودها في الوسط الفني ، ثم نشرت الفنانة أمل عرفة (يوم أمس) بيانا آخر كشفت فيه عن آلية راقية في التعاطي معلنة أنه بعد أربعة أيام من إعلان انسحابها تم التوصل إلى حل مع الجهة المنتجة ، وبالتالي عادت لتؤدي دور (إخلاص) في المسلسل مشيرة إلى تأكيدها على اعتذار الجهة المنتجة من الفنانة قمر خلف كما قامت بمراسلتها طالبة منها الإذن بالعودة فباركت خلف لها عودتها متمنية لها التوفيق في موقف يحمل الكثير من السمو للفنانة قمر خلف . وبهذه الروح الممتلئة نبلاً وأصالة من قبل مختلف الأطراف جاء التعامل مع حادثة شكّلت بإطارها العام (بعيداً عن مسلسل حارة القبة) صرخة بوجه آليات ينبغي إعادة النظر فيها لأنها تحمل ضمنها الكثير من التشوهات التي أثرت سلباً على الحراك الدرامي السوري.